عذراء جيجكوف

06 نوفمبر 2017
وأحب كلّ التماثيل الصغيرة الزرقاء والبيضاء (بابلو بلاسكيز دومينغيز/Getty)
+ الخط -

واظبت على ترداد الصلاة قبل النوم لسنين طويلة. كنت أردّد الصلاة، ثم أطلب من الله بعد ذلك أنّ يحفظ لي أمي وأبي وأخي. وعندما توقفت عن الصلاة نهائياً ومن غير رجعة، بقيت أتمتم الجملة نفسَها في رأسي ثم أغفو. كنت أخاف من أن يُصاب أحدهم بسوء في حال توقفت عن ذلك. كنت أعتقد، ربما، أنّني أستطيع وبجملة واحدة منّي فقط أن أردّ الموت عن أهلي. ثم في ما بعد، صرتُ أنامُ على السّكْت.

***

أنا أحب مريم العذراء. أحب شهر مريم وأيقونات مريم وأحب كلّ تلك التماثيل الصغيرة الزرقاء والبيضاء التي يضيئون لها الشموع ويضعون لها الورود. أحب أيضاً صورَها الصغيرة التي تُعلّق على طرفِ الإطارات الزجاجية لصور الأموات. لا أعرف متى تنبّهت إلى كلّ تلك التفاصيل الصغيرة التي تحيط بها. أعتقد أن الله كان على صوابٍ يومَ اختار "مريم" أمّاً لابنه الوحيد. كان محقاً يوم أوجد له أمّاً يتّكئ على كتفها كما يفعل الناس العاديّون في أيام الحزن العاديّة. ومن قال أنّ الآلهة لا تحتاج إلى أمّهات؟

***

أفكّر أن ما أكنّه لمريم ليس الحب تحديداً. في الأساس، لا أجد تعريفاً لهذه الكلمة. لم أستطع يوماً أن أوقف الكلام عندها. فأجدني مضطرة في كلّ مرة إلى استخدام تعبير الحب، إلى شرح ما أعنيه به. أفكّر أنّ شعوري تجاه مريم هو الشعور بالأمان. شيء يشبه شعورنا لحظة نعود إلى البيت في المساء. شيء يشبه الألفة. وعلى الرغم من ذلك، لا أندم على استعمال كلمة الحب باستمرار ولا أجد أيضاً كلمة تحلّ مكانها. أصلاً، ما الحبّ إن لم يكن أماناً؟

***

في "أن تكون شاعراً"، حكى ياروسلاف سيفرت عن عذراء جيجكوف وعن أمّه التي كانت أقرب إلى العذراء في شهر مايو/ أيّار، الشهر المريمي، من أيّ وقت آخر. في قصيدة عذراء جيجكوف هذه، قال سيفرت إنّه شعر بالخجل الشديد يوم فكّر بطلب مساعدة السماء قبل امتحان الرياضيات. قال إنّه شعر بالعار. ثم حكى كيف صعد إلى الكنيسة متسلقاً أدراجها الباردة عندما شعر بالرعب الأسود، وكيف صلّى سرّاً إلى العذراء لكي ترأف به. يومها، يقول "كان عطر الزنبق الذي يفيض في الأيام العادية مرّاً كطعم حليب الهندباء فوق اللسان".

***

أنا أحبّ مريم العذراء. وأحبّ كلّ تلك التفاصيل الصغيرة التي تحيط بها، كشعور الأمان الذي ينتابني لحظة أصادف في الطريق، تماثيلها الصغيرة الزرقاء والبيضاء. أنا أحب مريم على الرغم من أنّه مضى وقت طويل على آخر مرّة صليت لها. أحبّها، إلا أنّني أرغب في ألا أضطر يوماً إلى تسلّق أدراج كنيسة جيجكوف عندما يصيبني الرعب الأسود.

دلالات
المساهمون