خريجو سورية خارج الخدمة

05 نوفمبر 2017
طلاب ينتظرون البطالة أو القبول بأيّ مهنة(لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -
الحرب في سورية ضربت الاقتصاد بكامل قطاعاته، لتصبح فرصة الشباب في الحصول على عمل يناسب مؤهلاتهم صعبة. وها هم كثير من الخريجين يضطرون للعمل باعة وسائقين وحرفيين خارج اختصاصاتهم

يصطدم كثير من خريجي الجامعات السورية بالواقع الاقتصادي السيئ الذي تعيشه البلاد منذ ست سنوات، والذي أدى إلى انعدام الاستثمارات وإغلاق كثير من المشاريع، ما تسبب بشح كبير في فرص العمل وزاد البطالة. وهو ما يضطر هؤلاء اليوم إلى البحث عن فرص عمل خارج اختصاصاتهم بل تقديم تنازلات في شروط العمل والأجر المستحق.

تخرّج إبراهيم العمر العام الماضي من كلية الاقتصاد بجامعة دمشق بتقدير جيد جداً، إلّا أنّ ظروفه الاقتصادية السيئة منعته من متابعة دراساته العليا في الاختصاص الذي يحب، ففضل أن يبحث عن عمل. يقول: "كنت أعيش أحلاماً وردية، ظننت أنّي سأجد عملاً أكيداً بشهادتي والتقدير العالي الذي حصلت عليه، لكنّي صدمت بالواقع، واكتشفت أنّ العمل ليس لأصحاب الشهادات هذه الأيام. بين يوم وليلة قررت أن أبحث عن أي عمل ممكن، فعرض عليّ جارنا المسنّ أن أبيع بدلاً منه في محل للأواني وتجهيزات المطبخ يملكه، وقد مضى عليّ في هذا العمل حتى اليوم تسعة أشهر، كما أدرّس تلميذاً الرياضيات بأجر". يقول بأسف على سنوات الدراسة "أمضيت آخر 3 سنوات في قبو لا يسكن فيه بشر ولا يدخله ضوء الشمس، وكنت أدرس على ضوء البطاريات سواء في الليل أو في النهار، وآكل في الصباح فول المساعدات الغذائية وفي الظهيرة معكرونة المساعدات... كلّ هذا كي أبيع في النهاية الأواني".

من جانبه، يقول محمد، وهو مهندس عمارة شاب، ساخراً من انعدام فرص العمل لاختصاصه داخل البلاد: "ننتظر إعادة الإعمار، إذ ينتظرنا عمل كبير في المستقبل. هم يهدمون أكبر قدر ممكن من البلاد حتى نعمل مستقبلاً". يعمل محمد اليوم سائق سيارة أجرة في مدينة حلب، ويقول: "لم أنتظر طويلاً بعد التخرج حتى استسلمت للواقع، فطوال ستة أشهر بعد تخرجي، لم أساهم إلّا في مشروع صغير جداً، وضعت أمام خيارين إما السفر وترك والدتي المريضة، علماً أنني ابنها الوحيد، أو البقاء والبحث عن أيّ عمل لنعيش منه، فاخترت أن أبقى. جددت سيارة والدي وحولتها إلى تاكسي عمومية، وها أنا منذ سنة تقريباً سائق أجرة برتبة مهندس عمارة". يعقب: "أحترم عملي الحالي بالرغم من مصاعب تدبر الوقود وخطر الحواجز والشبيحة وطلبات التوصيل المتأخرة إلى المناطق غير الآمنة، لكن يحز في نفسي ابتعادي عن الهندسة. لا أعتقد أنّي أتحمل أن أستمر بهذا العمل طويلاً، فبدلاً من أحصل على دخل كريم كان من المفترض أن تؤهلني له دراستي لا أجني إلّا أجراً بخساً يختلف بين يوم وآخر".

هذا الواقع يدفع آخرين إلى الانقطاع عن الدراسة الجامعية، ومنهم هادي، وهو طالب في سنته الدراسية الأخيرة في كلية الآداب في جامعة حلب، فقد قرر بعد تفكير ونقاشات طويلة أن يتفرغ لعمله دهاناً. يقول هادي الذي يعيش مع عائلته في ريف حماه: "لم يعد هناك من فائدة لكلّ هذا العذاب، أعمل في ورشة دهان، وأعيش منها. كنت أتردد على الجامعة بين الحين والآخر وأدرس وأقدم الامتحانات، للحصول على تأجيل سنوي، لكنّ هذا مرهق جداً مع العمل، واليوم بعد حصولي على تأجيل طبي طويل الأمد، قررت أن أنقطع عنها، فحتى لو تخرجت فمن شبه المستحيل أن أجد وظيفة كخريج لغة إنكليزية هذه الأيام. في عملي هذا لا أحد يسألني عن شهادتي". يضيف: "لم نمت لكن شاهدنا من ماتوا قبلنا كما يقال. كلّ من أعرفهم من زملائي الذين تخرجوا إما سافروا خارج البلاد، أو يعملون عمالاً مثلي، وقد لا يعلم بعضهم أنّ العديد ممن يلتحقون بالجيش أو بصفوف الشبيحة لا يفعلون ذلك لأنهم لم يحصلوا على تأجيل فقط، بل بدافع من الفقر. من يرغب في الهروب إلى لبنان أو تركيا يحتاج إلى آلاف من الدولارات ليصل، فمن لديه هذه المبالغ؟".

أما حكمت، وهي شابة سورية تخرجت مؤخراً من كلية الهندسة الكهربائية، فتقول إنّها تدفع ثمناً باهظاً لعدم حصولها على فرصة عمل. توضح: "بعد إصراري على تأجيل الزواج إلى ما بعد التخرج يقول لي الجميع إنّه لم يعد لدي عذر لعدم قبول الزواج من أحد المتقدمين لخطبتي، خصوصاً أنّي لم أجد عملاً. وجودي في المنزل يضعني تحت ضغط كبير للقبول بالزواج من أحدهم، فوالدتي تردد على مسمعي مراراً: لا عمل ولا دراسة ماذا تنتظرين؟ كلّ ذلك بالرغم من أنّ أحد من تقدموا لخطبتي يكبرني بعشرة أعوام والآخر لا يحمل حتى شهادة ثانوية". تردف: "البديل للشاب الذي لا يحصل على عمل هو السفر أو العمل بمجال آخر، أما البديل الوحيد المتوفر للفتاة فهو الزواج من أحدهم حتى ينفق عليها".

يعتبر حنّان خيرو، وهو مدير سابق لإحدى شركات الاستيراد والتصدير السورية، أنّ "أرقام البطالة المتضاعفة منذ عام 2010 لا تعكس التشوه الحقيقي الحاصل في سوق العمل في سورية، فأصحاب المؤهلات هم من دفعوا الفاتورة الكبرى لهذه البطالة بالدرجة الأولى، والإناث بشكل خاص، إذ يضطر كثير منهم للتنازل عن الاستفادة من مؤهلاته وامتهان مهن أخرى لكسب المعيشة". يضيف "لهذا الواقع انعكاس كبير على مستقبل المجتمع السوري، فما يحصل هو قتل للخبرات أو إهدار لها".
المساهمون