شفاء من السكري... الخلايا الجذعية أمل لمرضى النوع الأوّل

18 يناير 2017
هل من أمل في مستقبل بدون مرض؟(بابالو تيكيسو/فرانس برس)
+ الخط -
ضجّت وسائل الإعلام العالميّة بخبر قيل إنّه "سابقة طبيّة". إلى أيّ مدى يمكننا الوثوق به؟ سؤال حملته "العربي الجديد" إلى عدد من أهل الاختصاص في لبنان

قد لا يقدِّر أهميّة الخبر من لا يعاني من ذلك الداء. لكنّ مريض السكري يرى فيه ولا شكّ، "طاقة فرَج". إلى من لم يبلغه الأمر بعد، ثمّة مستجدّات في إطار الأبحاث الخاصة حول علاج السكري، والمعلومات المتداولة في الصحف العالمية تشير إلى أنّ الشفاء من السكري بات قريباً، وذلك عن طريق زرع الخلايا الجذعية. الموضوع لا يحتمل المزاح، فالآمال التي يولّدها لدى هؤلاء الذين أرهقتهم حقن الأنسولين، كبيرة.

هو "علاج نهائي لداء السكري"، ذاك الذي تحمله الوعود إلى المرضى، في حين تتوقّع منظمة الصحة العالمية أن يصبح السكري العامل السابع المسبب للوفاة في عام 2030. ويقوم هذا العلاج على زرع الخلايا الجذعية المنتجة للأنسولين لدى هؤلاء، بالتالي يمكن التخلّص نهائياً من حقن الأنسولين اليومية. من المتوقّع أن يُعتمد هذا العلاج الجديد حول العالم من دون استثناء، بعدما أمضى فريق طبّي في مركز أبحاث جامعة هارفارد الأميركية أكثر من 25 عاماً للتوصّل إليه. يُذكر أنّ هذا العلاج يستهدف المصابين بالسكري من النوع الأوّل الذي يبدأ منذ الطفولة.

هذا هو العلاج
يُعدّ العلاج المبتكر إنجازاً علمياً، إذ نجح الباحثون، بحسب ما نشروا، في تجاوز عقبة إنتاج عدد كاف من الخلايا التي تفرز هرمون الأنسولين، عبر تحوير الخلايا الجذعية إلى خلايا بنكرياس قادرة على إفراز هذا الهرمون اللازم لحرق السكر. وتُعقد عليه الآمال، إذ إنّ المشكلة التي تعيق عملية زرع خلايا البنكرياس كعلاج جذري لداء السكري من النوع الأوّل، هي عدم توفّر العدد الكافي من هذه الخلايا. فالمصاب يحتاج عادة إلى أكثر من متبرّعَين اثنَين أو ثلاثة متبرّعين بالبنكرياس، لتأمين ما يكفي من الخلايا المطلوبة.

في هذا السياق، كان الباحث الرئيسي الدكتور دوغلاس ميلتون، قد أوضح في تصريحات، أنّ "التجارب على الإنسان ما زالت قائمة بعد تلك التي أجريت على فئران المختبرات"، متوقعاً "نجاحها في المستقبل". وكان ميلتون قد كرّس حياته لإيجاد علاج جذري لداء السكري من النوع الأوّل، إذ يعاني ابناه منه. وقد نجح بالفعل في تحوير الخلايا وبعدد كبير.

إنجاز قيد الدرس
يتحدّث الطبيب المتخصص في أمراض الغدد الصماء والسكري، الدكتور شارل صعب، لـ"العربي الجديد"، عن ذلك الاكتشاف الذي ما زال قيد الدرس، مشيراً إلى أنّه سوف يشارك قريباً في مؤتمر يُعقد في أوروبا عن الجديد في علاج زرع الخلايا. لكنّه يقول إنّ "ما يتداوله الإعلام حول هذا الموضوع يوحي بأنّ الأمور أُنجِزَت، وهذا غير دقيق. ما زالت الأبحاث قائمة وتحتاج إلى وقت لتحقيقها". يضيف أنّ "هذه الأبحاث العلمية بدأت قبل أكثر من 20 عاماً، ولم تتوصّل بعد إلى العلاج النهائي المحسوم طبياً. لكنّنا نعقد الآمال عليه". ويتمنّى صعب على وسائل الإعلام "عدم الوقوع في فخّ البروباغندا التي لا ترتكز على أسس علمية. ثمّة مرحلة أساسية لم تُنجز بعد، يُصار خلالها إلى التأكد من عدم رفض الجسم للخلايا الجذعية المزروعة فيه. هكذا فقط نضمن صحة العلاج وفعاليته".


كلفة باهظة جداً

من جهته، يؤكّد الطبيب المتخصّص في أمراض الغدد الصماء والسكري، الدكتور سليم جنبارت، أهميّة المواكبة الطبية المستمرة بهدف إنجاز تقدّم في العلاج القائم على زرع الخلايا الجذعية. ويقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "هذه الأبحاث الطبية حول زرع الخلايا الجذعية تقتصر على علاج السكري من النوع الأوّل. والاكتشافات الطبية ما زالت في بدايتها وعلى فئران المختبرات، بالتالي لم يتأكّدوا بعد من فعاليتها على الإنسان". يضيف أنّ "الكلفة المادية لزرع الخلايا باهظة جداً وتصل إلى نحو 500 ألف دولار أميركي. لكنّنا نتوقّع أن نستفيد من هذا البحث العلمي بعد نحو عشر سنوات، بالتالي يمكن القول إنّ الأمل في العلاج بات قريباً".

نتائج مشجّعة
أمّا الطبيب المتخصص في أمراض الغدد الصماء والسكري، الدكتور ماريو عون، فيشير إلى "إمكانية زرع الخلايا الجذعية في المستقبل القريب في لبنان". ويقول النقيب الأسبق للأطباء في لبنان، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأبحاث الخاصة حول زرع الخلايا الجذعية لعلاج السكري من النوع الأوّل والتي من شأنها إعادة إحياء الخلايا المسؤولة عن إفراز الأنسولين، ليست بجديدة، إذ انطلقت في أوروبا قبل زمن مع احتمال كبير للتوصّل إلى الشفاء من السكري". يضيف أنّ "في لبنان، ما زال الأمر غير مشرّع على خلفيّة دواعٍ اجتماعية، إلا أنّ نقابة الأطباء تسعى اليوم إلى وضع التشريعات الضرورية للسماح به. هكذا نكون من أوّل بلدان العالم العربي التي تحقّق هذا الإنجاز المهم، خصوصاً إذا جرت عمليّة زرع الخلايا الجذعية بنجاح وكانت مطابقة للمواصفات لدى الواهب والمتلقي".

غير مشجّعة وحاسمة
لا تبدو الطبيبة المتخصصة في أمراض الغدد الصماء والسكري، الدكتورة تيريز الحاج، متفائلة، وتقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأمل في نجاح زرع الخلايا الجذعية ما زال بعيداً. فالتجارب ما زالت قائمة حتى يومنا هذا، ولم تثبت الأبحاث العلمية نجاحها مائة في المائة. بالتالي، فإنّها لا تبدو مشجّعة". وتشير إلى أنّ "إعادة تناولها اليوم في الإعلام العالمي بهذا الزخم، ليست سوى مجرّد سكوب. هو سكوب إعلامي وليس علمياً بحذافيره. فنحن ما زلنا نرتكز على علاجات السكري التقليدية، من دون أن ننسى أنّ العلاج بالخلايا الجذعية ما زال في إطار الدراسات ليس أكثر. لكنّ تطوير العلاج أمر محتمل".

إلى هؤلاء المتخصصين، يقول نقيب الأطباء في لبنان، الدكتور ريمون صايغ، وهو طبيب متخصص في أمراض الكبد والجهاز الهضمي، إنّ "الباحثين ينكبّون منذ فترة على العمل على زرع الخلايا الجذعية في البنكرياس بهدف التوصّل إلى علاج شافٍ لمرضى السكري من النوع الأوّل. والنتائج اليوم ليست حاسمة، إذ ما زال البحث العلمي مستمراً في انتظار تحقيق نجاح ما". يضيف لـ"العربي الجديد"، أنّ "من شأن ذلك النجاح أن يساعد هؤلاء الذين يعانون من السكري من النوع الأوّل، خصوصاً الأطفال المصابين به".

فعاليات للإحاطة بالمرض
في سبتمبر/ أيلول المقبل، تعقد "الجمعيّة الأوروبيّة لدراسة أمراض السكّري" لقاءها السنوي الثالث والخمسين في البرتغال (لشبونة)، لعرض آخر ما توصّلت إليه الدراسات حول ذلك الداء، الذي يهدّد بنوعَيه كثيرين حول العالم. تجدر الإشارة إلى أنّ أكثر من 14 فعاليّة عالميّة حول داء السكّري، مُجَدْوَلة على روزنامة عام 2017.

دلالات
المساهمون