طالب باحثون ومختصون عراقيون بضرورة الإسراع في إيجاد حلول لـ "مشاكل الغجر" في البلاد، وتمكين "عديمي الجنسية" من كافة حقوقهم، مشيرين إلى أن هذه القضية ظلت من الملفات العالقة لسنوات دون أي تحرك من الحكومة العراقية.
ومصطلح "الغجر" غير متداول شعبياً بشكل كبير لكنه معروف إعلامياً أكثر، ويدل على شريحة تعيش خارج المدن لا يملكون الجنسية العراقية ولا الأوراق الثبوتية ولا سجلات أحوال مدنية تثبت نسبهم.
وأطلق ناشطون في مدينة الديوانية نحو (180 كلم جنوب العاصمة بغداد) في أوقات سابقة عدة حملات للمطالبة بحقوق الغجر ومنحهم الوثائق الرسمية، كما ارتفعت الأصوات الحقوقية مؤخراً من المدن التي ينتشر فيها الغجر بشكل كبير، وأهمها الديوانية داعية إلى منح الغجر حقهم في الحياة وتمكينهم من الوثائق الرسمية.
هذا الأمر دفع عدداً من المختصين والمسؤولين ومنظمات المجتمع المدني لبحث قضية الغجر في اجتماع موسع عقد في مدينة الديوانية قبل عدة أيام حضرته لجنة الإنقاذ الدولية IRC التي دعت من جانبها إلى الإسراع بتمكين الغجر من حقوقهم.
وفي الوقت الذي أعربت فيه الحكومة المحلية بالمدينة عن استعدادها للتعاون وتشكيل لجنة خاصة لإكمال المعاملات الرسمية الخاصة بالغجر، قال عضو لجنة الإنقاذ الدولي IRC حسين عناوي في تصريح صحافي إن "أكبر التحديات التي واجهت المنظمة فيما يخص قضية الغجر " دون جنسية" هي بعدهم عن المدن وسوء أحوالهم المعيشية".
وبيّن عناوي أن "المنظمة تمكنت بالعمل المستمر منذ أبريل/ نيسان 2015 من استخراج الوثائق الشخصية الخاصة لـ 300 منهم، وتضمنت تلك الوثائق هوية الأحوال المدنية "الجنسية" وشهادة الجنسية العراقية والبطاقة التموينية".
وعزا عناوي أحد الأسباب الرئيسية في عدم حصولهم على وثائق رسمية تثبت هوياتهم، الزواج خارج المحاكم المختصة، "وقد استطعنا استخراج عقود زواج وكسب دعاوى إثبات نسب للمئات من هؤلاء". يضيف المتحدث.
وكانت منظمة IRC أطلقت برنامجاً خاصاً مطلع 2014 يتضمن شمول الكرد والبدو والغجر والنازحين المعرضين لخطر عدم الحصول على الجنسية العراقية نتيجة ظروف الحرب والنزوح لضمان حقهم في الحصول على الجنسية العراقية.
فيما طالب مدير دائرة الأحوال المدنية في مدينة الديوانية، المقدم أحمد علي، السلطات المحلية إلى تشكيل لجنة متخصصة لحصر أسماء وأعداد المستفيدين من البرنامج بهدف إكمال المعاملات الرسمية الخاصة بمنحهم الجنسية العراقية وشهادة الجنسية دون لقب.
وعزا مسؤولون عراقيون تأخر تنفيذ برنامج "عديمي الجنسية" إلى نقص التشريعات القانونية الخاصة بهذا الأمر في البلاد، وتداخل وتقاطع صلاحيات المحافظات العراقية مع الحكومة المركزية في بغداد.
وكشف رئيس لجنة الخدمات في الديوانية، جعفر الموسوي، عن نجاح برنامج "عديمي الجنسية في استخراج 600 مستند قانوني لحوالى 300 مستفيد من البرنامج خلال عام واحد".
ويذكر الخبراء أن الغجر قد يصل عددهم إلى حوالى 200 ألف، ويعيشون في جماعات صغيرة متفرقة بعيدة عن مراكز المدن، وأغلب المناطق التي ينتشرون فيها هي أحياء أبو غريب والكمالية في بغداد وشارع بشار وحي الطرب في البصرة ومنطقتا هجيج والسحاجي في الموصل، وعدد آخر من قرى مدن الديوانية والمثنى والناصرية جنوب العراق.
ويعتبر عدد من الخبراء الغجر من الأقليات العرقية التي قدمت إلى البلاد من أفغانستان والهند منذ الألف الأول قبل الميلاد، وامتهنوا الرقص والغناء وسيلة للعيش.
لكن باحثين لم يؤيدوا فكرة منح الجنسية العراقية كاملة للغجر، معتبرين أن اندماجهم في المجتمع العراقي سيكون صعباً، ولن تسمح التقاليد العشائرية للغجر بالإقامة داخل المدن بسبب مهنة الرقص والطرب الخاصة بهم وعدم امتلاكهم أي أوراق رسمية تثبت نسبهم.
ويرى الباحث الاجتماعي حيدر العبيدي أن "قضية الغجر خطيرة ويجب دراستها قبل البت فيها بهذه الطريقة، وأن منح الجنسية العراقية لهم لا يمكن أن يخضع للعاطفة والتصريحات الفضفاضة".
وبحسب العبيدي فإن "هذه القضية ستتبعها قضايا ذات طابع سياسي في المستقبل القريب عبر منح الجنسية للمقيمين الإيرانيين أو الأفغان والباكستانيين في بعض مدن الجنوب، وهنا سنكون أمام خلط كبير في تركيبة المجتمع العراقي".