قبل عشرين عاماً انضم جاويد أختر (65 عاماً) إلى فريق الإسعاف في مؤسسة إيدهي الخيرية في مدينة راولبندي المجاورة للعاصمة الباكستانية إسلام أباد. كان دافعه العثور على فرصة عمل لا أكثر، بعد سنوات عديدة من البطالة. الفرصة جاءته هناك بالفعل عبر أحد معارفه.
اليوم، يعمل في إسعاف المرضى والمصابين وخدمة الفقراء والمحتاجين. بات الرجل الستيني يعشق مهنته، ويعتزم أن يكرس ما تبقى من حياته في مواصلة خدمة الناس، خصوصاً الفقراء والمرضى وكبار السن الذين لا أحد لهم ويسكنون في مراكز إيواء تابعة للمؤسسة نفسها.
هو من سكان مدينة راولبندي. يروي بداية عمله الخيري في المؤسسة: "كنت عاطلاً من العمل، ولديّ أسرة. كان من الصعب جداً أن أبقى على تلك الحال. حاولت كثيراً أن أجد أي عمل يمكّنني من إعالة أسرتي، لكن من دون جدوى".
بعد أشهر من البحث طلب منه أحد أصدقائه أن يعمل في المؤسسة التي يشتغل فيها اليوم، لكنه رفض ذلك في بداية الأمر لأنّ الراتب كان ضئيلاً. وبعد أن يئس من العثور على عمل وتضاعفت المشاكل والمسؤوليات، زار مع صديق له أحد مراكز المؤسسة في مدينة راولبندي، طلباً للعمل.
في المؤسسة، سأله المدير إن كان يعرف قيادة السيارة أم لا. لم يكن الرجل يعرف في ذلك الوقت شيئاً عن السيارات أو قيادتها، لكنه وعد بأن يتعلم ذلك خلال أيام. وقد تعلم فعلاً. بدأ العمل في المؤسسة كسائق لسيارة إسعاف، واستمر أشهراً عدة قبل أن يتولى أشكالاً عديدة من المهام بمرور الوقت.
يقول أختر عن عمله في المؤسسة الخيرية: "لقد كان العمل شاقاً والراتب متواضعاً، لذا لم أكن أنوي أول الأمر أن أستمر لفترة طويلة. كنت أتوقع أن أترك العمل عاجلاً بمجرد عثوري على عمل آخر براتب أفضل. لكن، مع مرور الأيام والأشهر بدأت أحب العمل، خصوصاً أنه يتعلق بخدمة المرضى والمحتاجين.. وحسناً فعلت، فاليوم أشعر براحة نفسية كبيرة عندما أخدم هؤلاء".
اقرأ أيضاً: أطفال وفتيات باكستان في قبضة العصابات
يبدأ عمله في الصباح الباكر، ويداوم حتى وقت متأخر من المساء. يعمل على مدار الساعة، كما يقول. عمله الأساسي الوصول إلى مواقع الحوادث ونقل الجرحى والمصابين إلى المستشفيات.
المهنة صعبة للغاية، لا سيما في ما يتعلق بنقل جرحى وقتلى الهجمات. وهو ما يشير إليه في قوله: "مهنتنا صعبة جداً لكننا اعتدنا على أدائها بعد سنوات عديدة من العمل فيها. نؤمن بأنّه عمل مهم جداً، على الرغم مما فيه من مخاطر، لأنّ الوصول إلى موقع الحادث في وقت مبكر ينقذ حياة كثيرين. وقد فعلنا ذلك دائماً وسنتابع".
على الرغم من أنه درس المرحلة الثانوية فقط، لكنه وبفضل خبرته التي حصّلها طوال عقدين من العمل في المؤسسة، بات بإمكانه أن يعمل في جميع المناحي والمجالات التي تتولاها، فضلاً عن المساعدة في الشؤون الإدارية.
أختر يحب وظيفته ويعد بمواصلتها طوال حياته. هذا الحب يدفعه إلى العمل حالياً لا من أجل الراتب بل من أجل مساعدة الناس، على الرغم من المشاكل الاقتصادية والمعيشية التي يواجهها.
يتقن أختر جميع أنواع المهام في المؤسسة، لكنّ ما يحبه أكثر هو العمل من أجل المسنين الذين لم يبقَ لهم أحد. هم يعيشون في مراكز الإيواء التي أقامتها مؤسسة "إيدهي الخيرية" في مختلف مناطق البلاد ومنها مدينة راولبندي حيث يعمل.
يقول: "أشعر بمتعة كبيرة وسعادة فائقة عندما أخدم هؤلاء الذين لا أحد لهم. أخدمهم طوال النهار، وفي الليل أسمع قصصهم. لكلّ واحد منهم قصة فريدة مليئة بكثير من الشقاء في دنيا يواجه فيها عدد كبير من الناس أصنافاً عديدة من الظلم والتمييز. منهم من تركهم الأولاد بعدما كبروا، وباتت لديهم عائلات صغيرة بدورهم".
أصبح لأختر أصدقاء كثر من بين المسنين. في معظم الأحيان يبيت معهم وقلما يذهب إلى منزله. كذلك، ينفق جزءاً من راتبه الشهري عليهم.
يشيد بما تفعله مؤسسة "إيدهي" الخيرية لعامة الناس والفقراء والمرضى، وعلى وجه الخصوص لكبار السن. ويؤكد أنّ المؤسسة فريدة من نوعها، إذ لم تترك مجالاً من الحياة إلّا وعملت فيه. ويشيد بالذات بوصولها إلى الطبقة الفقيرة المهمشة، فهو "أكبر وأعظم أعمالها" كما يقول.
مع ذلك، يطلب أختر من أثرياء البلاد أن يدلوا بدلوهم، ويمدوا يد العون إلى هذه المؤسسة، كي تتمكن من تعزيز عملها أكثر والوصول بشكل أوسع إلى تلك الفئات فتشملهم المساعدات وأشكال الرعاية المتنوعة. كذلك يدعو جميع المتقاعدين من أعمالهم إلى التطوع في المؤسسة الخيرية، لا ليؤدوا خدمات لغيرهم فحسب، بل ليشعروا بتلك المتعة التي يشعر بها وهو يساعد الفقراء والمهمشين في بلاده.
اقرأ أيضاً: صغيران في السوق