"سيّاف غزة" ينَفضَ الغبار عن مهنة هُددَت بالاندثار

31 ديسمبر 2016
معين داخل ورشة صناعة السيوف (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -
في الطريق المؤدية إلى حي الزيتون، جنوب شرق مدينة غزة، وفي اللحظة التي تسأل فيها عن الحاج معين أبو وادي، سرعان ما يُعطيك السائق كلمة السر "هل تسأل عن صانع السيوف ليس غيره"؟ لتستدل على الورشة الصغيرة التي سكنت أحد الشوارع الهادئة من ضجيج السكان، لكنها صاخبة بصوت حف الحديد وسنّه.

مكان صغير، وصورة لمُورث المهنة تعلو رأسه، وسيوف وخناجر معلقة على جدران محلّه، وضجيج خارج من صوت ماكينة حف الحديد وتلميعه، والتي يُمسك بها الفلسطيني ليُجهز سيفًا من عشرات السيوف التي يصنعها لزبائنه المحددين، ملامحٌ كاملة لحياة أبو وادي، الذي حافظ على مهنة والده من الاندثار.

ويوضح الأربعيني لـ"العربي الجديد"، أن صناعة السيوف التي ورثها عن والده، قبل أن يتقنها الأخير على يد جده، منذ القدم، تعلمّها عن طريق والده منذ كان صغيرًا وبعمر العشرين، حتى اعتبرها مهنته ومصدر رزقه الذي ما زال يحافظ عليه منذ نحو 25 عاماً.

ويكمل عن أن حادثة وفاة والده كانت بمثابة طي صفحة المهنة لمدة وصلت إلى خمس سنوات، لكن الإرث التاريخي الذي تربى عليه مع أبيه، أعاده لفتح الورشة الصغيرة ليكون رائدًا بالصناعة التي غابت عن صناعات قطاع غزة، ليجمع زبائنه من بيت حانون شمالاً حتى رفح جنوبًا.

"سيّاف غزة" كما يلقبه زبائنه، أراد الحفاظ على مهنة والده وثقافتهم البدوية، كونهم يعلمون قيمة السيّف والخنجر بين بعضهم البعض، ويتابع حديثه عن أن صناعته التي يعتبرها إرثًا عائليًا مرتبطة بأصولهم التي تعود إلى قبائل البدو، يجب أن تبقى حاضرة في القطاع وعدم محوها.



ويقول أبو وادي: "السيوف ثقافة أصيلة من حضارتنا البدوية، ولا يمكن أن نسمح للزمن بتغييب هذا الجزء من حياتنا، ما زلنا نعتبر حمله سلاحًا له دلالات عديدة كالفخر والكرامة والرجولة، ولا يمكن أن نتخلى عن هذه الصناعة التي نحبها، لأن بقاءها يعني بقاء أصولنا الحضارية".

خوف الأربعيني من اندثار المهنة، دفعه إلى تعليم ابنه "ماجد" (10 أعوام) بعض الأمور البدائية حول الصناعة التاريخية للعائلة، إذ يرغب في ضمان استمرارها مع مرور الأعوام والسنين، وعدم إغلاق باب الورشة الصغيرة التي يعتبرها إرثًا فلسطينيًا من جهة، ومصدر رزق من جهة أخرى.

وعن صناعة السيوف، يبيّن الغزّي أنها تمر بمراحل من جمع الحديد ووضعه تحت النار لتحميته ومن ثم حنيه وحفّه، وتنعيمه حتى يأتي دور تركيب المقبض والواقي النحاسي، وأخيرًا تركيب الغمد الذي يُفصل بواسطة الخشب على مرحلتين ليُكسى بعدها بالنحاس المزخرف.

وتتطلب صناعة السيف الواحد أسبوعًا كاملاً من قبل أبو وادي، عدا عن الجهد والوقت الكبيرين، ناهيك عن ساعات العمل اليومية التي تصل إلى أربع ساعات، لإنجاز واحدٍ فقط من العشرات التي ينجزها أبو وادي، بأشكال وأنواع متعددة حسب رغبة زبائنه.

ويشير إلى أن الأنواع المطلوبة والمصنوعة بالقطاع، هي سيفا "الحنية" و"الشقة"، اللذان يختلفان في شكل الحديد المعتدل او المَحني، غير أنه يسعى لصناعة السيوف الدمشقية، مشيراً إلى أن الزبائن يأتون إليه من كافة محافظات غزة، نظرًا لتخصصه في صناعتها وليس صيانتها.

ويوضح أبو وادي أن زبائنه ينحصرون في دائرة المخاتير والوجهاء الغزّيين، وفرق الدبكة الشعبية، وراقصي "الدحية" البدوية، والقائمين على مهرجانات التراث الفلسطيني، كونهم الوحيدين الذين يستخدمون السيوف والخناجر لأغراض الفخر أو الرقص بها كدليل على ثقافتهم.

ويتراوح سعر السيف الواحد بين 200 و500 دولار أميركي، يُرجع أبو وادي ذلك إلى عدم توافر المواد الخام وصعوبة توفيرها إضافةً إلى ارتفاع أسعارها، إذ يعمل على توفير الحديد من هياكل السيارات القديمة، عدا عن صعوبة توفيره أيضًا بالحلول البديلة.

ويلجأ أبو وادي في بعض الأوقات إلى صناعة الحديد بنفسه عن طريق النار، الأمر الذي يتطلب وقتًا أكبر لإنجاز السيف، كما أنّ الفضة المستخدمة في صناعة الغمد لم تعد متوفرةً في غزة، إذ عملت السلطات الإسرائيلية إلى منع إدخالها للقطاع، الأمر الذي اضطره لاستبدالها بالنحاس.

في الوقت ذاته، ما زالت أزمة الكهرباء تؤثر على حياة الغزّيين وصناعاتهم، حيث يُحاول أبو وادي تنظيم جدول عمله وفقًا لساعات وصل الكهرباء غير المنتظمة والتي لا تتعدى 4 ساعات يوميًا، الأمر الذي يضطره في غالب الأحيان إلى العمل ليلاً أو نهارًا لإنجاز أعماله في صناعة السيوف المطلوبة.

المساهمون