مجرم رغم أنفه

28 اغسطس 2015
لا أحد يلجأ إلى تغيير واقعه المعاش(فرانس برس)
+ الخط -

يسعى الإنسان بشكل غريزي لتحقيق مصلحته، وهو يظل حريصاً على دعم مسيرته المهنية، وزيادة رصيده المصرفي، والحفاظ على مظهره، وتنمية علاقاته وإقامة أسرة سعيدة، وتأمين حياة عائلته، ما استطاع ذلك، أو بالأحرى إلى أن يفقد القدرة على ذلك.

يُقدِم البشر حول العالم عادة على كل ما من شأنه تحقيق تلك الرغبات أو تحصيل غيرها من الطموحات. ربما يرتكب بعضهم أخطاء في سبيل ذلك، وغالباً ما يحققون بعضها ويفشلون في تحقيق البعض الآخر.

لكن ما الذي يدفع إنساناً لارتكاب جريمة في سبيل تحقيق مصلحة؟ علماً أنه ليس من المصلحة التحوّل إلى مجرم؟ ربما يكون السؤال سهلاً ومنطقياً، لكن لا شك أن الإجابة عنه ليست بنفس السهولة، إذ يتدخل فيها الكثير من التفاصيل.

بداية: لا أحد يرغب أن يكون مجرماً، ولا يوجد شخص طبيعي في أي مكان على الأرض يقدم على ارتكاب جريمة من دون سبب قوي يدفعه إلى ذلك. حتى أن تفاعل البشر مع الظروف المحيطة يتباين من شخص إلى آخر، وربما تجبر ظروف شخصاً على الإجرام، في حين يقاوم شخص آخر نفس الظروف ولا يرتكب جريمة أو أخطاء.

لكن من قال إن البشر جميعاً طبيعيون؟ ومن قال إن الجرائم يرتكبها أشخاص غير طبيعيين؟ بل من قال إن كل ما يصنّف باعتباره جريمة هو في الحقيقة جريمة؟

بعض النظريات الفكرية والعلمية تعرّف المجرم باعتباره شخصاً فقد قدرته على التحكّم بنفسه في وقت ما لأسباب متعلقة بآخرين أو بظروف خارجة عن إرادة الشخص المقصود، وبعضها يراه مريضاً يحتاج علاجاً، وربما يكون علاجه العقاب بالسجن أو غيره. بينما البعض الآخر يتعامل مع المجرم باعتباره شخصاً خرج عن نواميس الكون، أو خالف المنطق وقرّر ضرب عرض الحائط بكل ما هو مستقر.

الواقع أن شخصاً أخطأ في تقدير الأمور أو في اختيار التوقيت أو المكان أو رد الفعل قد يوصم بأنه مجرم أو تُلصق به تهمة لمجرد خطأ غير مقصود، والواقع أن التنشئة أو طبيعة المكان أو الظروف التي تحيط بالشخص يمكنها ببساطة أن تحوّله من شخص طبيعي إلى أحد عتاة الإجرام.

يعاقب الشخص عادة إذا ما أدين بجرم ما، لكن أحداً، في الأغلب، لا يناقش الظروف التي دفعت بهذا الشخص إلى الجريمة، ولا أحد يلجأ إلى تغيير واقعه المعاش لتفادي وقوع المزيد من الأشخاص في نفس الجرم. وبينما تتحدث الدساتير كلها عن "روح القانون"، إلا أنه لا يوجد قانون يدين الظروف المحيطة ولا المتورطين في تحوّل الأشخاص إلى مجرمين.
رغم كل هذا يظل الإنسان الطبيعي يبحث عن مصلحته دون أن ينتبه إلى أن مصلحته تلك تستلزم قيامه بواجباته وتحصيل حقوقه، وإصلاح أحوال محيطه، وتعديل القوانين الحاكمة لمجتمعه.

اقرأ أيضاً: البؤس العربي
دلالات
المساهمون