لا يرى مجدي بن صالح الشمس إلا في الأفلام والصور. يعيش حياته في الليل، في حين ينام كامل النهار، بخلاف أترابه. هو في العاشرة من عمره، من محافظة سليانة في شمال غرب تونس. وقد ترك المدرسة لأنّه لم يجد الظروف التي تناسب حالته الصحية، ولا قدرة له على تحمّل عناء التنقل إليها.
مجدي واحد من مئات أطفال القمر في تونس، بحسب "جمعية مساعدة أطفال القمر". هو واحد من هؤلاء الذين يضطرون إلى ارتداء بدلات ونظارات عازلة للشمس، بسبب تضرر بشرتهم وحساسيتها من الأشعة فوق البنفسجية. كذلك، يضطر هؤلاء إلى استخدام مراهم خاصة يومياً، وهو الأمر الذي يتطلّب مصاريف كبيرة للعناية بصحتهم الهشّة.
مبادرة
بسام الوريمي، من أعضاء جمعية مساعدة أطفال القمر، وهو مكلف بترفيه وبنشاطات هؤلاء الصغار في البلاد. يقول، لـ"العربي الجديد"، إنّ "جمعيتنا تعمل أساساً على توفير العناية الصحية لهؤلاء الأطفال، وهي تهتم اليوم بـ440 طفلاً قمرياً. توفر لهم النظارات التي تستبدَل مرة كل سنتين، وتوفر لهم البدلات ومراهم الجلد الخاصة. كذلك تقصد الجمعية أماكن دراسة هؤلاء في سعيها إلى توفير الظروف الصحية الملائمة لهم حتى يتمكنوا من متابعة دراستهم، فنقوم بتغيير النوافذ ونجهّز الأقسام التي يدرسون بها بالمكيفات. من جهة أخرى، نقصد منازل هؤلاء للتأكد من ملاءمة أماكن سكنهم مع حالاتهم الخاصة".
تزداد معاناة هؤلاء الأطفال، خصوصاً في المناطق الداخلية، حيث الفقر وغياب وعي الأسر بكيفية التعامل مع مرض أبنائهم، فتقوم الجمعيات بحملات توعية لتلك العائلات حول كيفية العناية بأطفالهم الذين يعانون من هذا المرض.
اندماج صعب
يترافق هذا المرض مع بعض حالات صحية أخرى، كالسرطان أو قروح تسبب تشوهات معينة، الأمر الذي يعمّق مأساة هؤلاء الأطفال الذين يجدون صعوبة في تحمّل نظرات الناس إليهم. فيدفع ذلك بمعظمهم إلى الانقطاع عن الدراسة والانعزال عن المجتمع.
ويشير الوريمي هنا إلى أنّ الجمعية "تبذل كل جهودها للاعتناء بهؤلاء الصغار ابتداءً من السادسة من عمرهم، في محاولة لإخراجهم من عزلتهم ومساعدتهم على الاندماج والتأقلم مع حالاتهم". ويضيف أنّ بعض "مديري المدارس يرفضون توفير أقسام خاصة لهؤلاء الأطفال الذين يلقون في الوقت نفسه صدّاً من قبل أترابهم في المدارس وعدم رغبة في التعامل معهم، الأمر الذي يدفعهم إلى الانطواء على الذات أكثر وترك الدراسة".
ويراوح عدد أطفال القمر، بحسب الوريمي، ما بين 800 و1000 حالة في تونس، وينتشر هذا المرض خصوصاً في المناطق الداخلية، لا سيّما في الشمال الغربي للبلاد، حيث يكثر زواج الأقارب، وهو ما يسبب خللاً جينياً يؤدي إلى إصابة الأطفال بمرض جفاف الجلد المصطبغ أو كزيروديرما.
من جهته، يوضح رئيس الجمعية، محمّد الزغل، أنّ المرض "يكتشف منذ الشهر السادس من عمر الرضيع. وأعراض المرض هي جفاف البشرة وظهور بقع داكنة تغزو خصوصاً الوجه في حال التعرّض لأشعة الشمس. كذلك يعرّض المريض إلى الإصابة بسرطان الجلد وتشوّهات على مستوى الأنف أو الأذن، وقد يصل الأمر إلى حد فقدان البصر، في حال لم يعِ الأهل كيفية حماية طفلهم من الشمس".
مصاريف كبيرة
من جهة أخرى، يقول الوريمي إن "كلفة العلاج تصل سنوياً إلى نحو أربعة آلاف دينار تونسي (ألفي دولار أميركي)"، مشيراً إلى أنّ معظم العائلات معوزة ولا تتحمل هذه المصاريف. ففي حين تتغيّر النظارات الخاصة كل سنتين، يتغيّر اللباس الخاص بهم كل سنة.
إلى ذلك، لا يتكفل صندوق التأمين على المرض بمصاريف علاج هؤلاء الأطفال، لأنّ حالتهم لا تندرج في تصنيف الأمراض المزمنة التي يتكفل الصندوق بتغطيتها. يضيف الوريمي أنّ السلطات في تونس لا تهتم بالشكل الكافي بهؤلاء المرضى، إذ إن وزارة الشؤون الاجتماعية مثلاً لم تؤمن لهؤلاء منحة الفقر كاملة وإنما نصف منحة، وتبلغ قيمتها 70 ديناراً شهرياً (35 دولاراً) فقط.
من جهة أخرى، يلفت الوريمي إلى أنّ "الجمعية استطاعت بفضل بعض الجمعيات الأخرى، توفير العناية الصحية اللازمة لعدد كبير من هؤلاء الأطفال. وقد تلقينا اتصالات من المغرب والجزائر والأردن وبعض الدول الأخرى للاستفادة من تجربتنا في العناية بهؤلاء الصغار".
تجدر الإشارة إلى أنّ الجمعية تنظّم نشاطات ترفيهية عديدة لصالحهم، بمساعدة وزارة الشباب والرياضة التي توفّر لهم أماكن الإقامة في حال تنقلوا من مدينة إلى أخرى.