آشوريو سورية.. أقلية ذات جذور تاريخية

01 مارس 2015
نازحون آشوريون من سورية إلى لبنان (أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -


لا يمثل تنظيم "داعش" سنَّة ضد الشيعة، أو سنَّة ضد العلويين والإسماعيليين والدروز (فرق الدين الإسلامي وطوائفه الكبيرة)، وليسوا مسلمين ضد المسيحيين، ولا عرب ضد الكرد والتركمان، بل هم ضد العرب السنَّة أنفسهم إن لم يكونوا معهم، والأمثلة، فعلاً لا مجازاً، أكثر من أن تحصى، ولكن لندلل على ذلك بالمقتلة الكبرى التي أنزلوها بعشيرة الشعيطات السورية.

وحسب تقارير حقوقية سورية، قتل داعش أكثر من 900 شخص، من هذه العشيرة، التي تنتشر بطونها في بادية الشعيطات، وغرانيج، والكشيكة وأبو حمام من أعمال دير الزور، رغم أنهم أعلنوا ولاءهم لتنظيم "الدولة" بعد اجتياح داعش دير الزور، لكنَّ مقتل ثلاثة من أفراد الشعيطات على يد الدولة الغبراء، أعاد الأمور بين الطرفين إلى نقطة الصفر، ما أسفر عن مقتل هذا العدد الهائل من أفراد عشيرة واحدة في غضون أيام قليلة.

الأمثلة كثيرة ضد عشائر العراق السنية، قبل أن تدور دائرة الرايات السود ضد الأيزيديين والشبك والآشوريين والتركمان وغيرهم من أقليات العراق وسورية.

في درس التاريخ هزم الآشوريون الآراميين؛ غير أنهم تبنوا لغتهم المكتوبة التي كانت أكثر تطوراً وليونة من المسمارية التي أخذها الآشوريون من السومريين مخترعي الكتابة المسمارية، لكنَّ الآرامية تفوَّقت على المسمارية بالأبجدية التي هي هِبَةُ الكنعانيين إلى العالم، ويبدو أن التسمية خلطت بين متكلمي الآرامية، بصرف النظر عن أصولهم، والآراميين حتى صارا يدلان على شيء واحد. ما هو مهمٌ أنَّ تغيرات كهذه لم تكن تبدو جذرية عند أقوام المنطقة التي تتحدَّر من شجرة لغات، وربما إثنيات، عاشت متجاورة، أو ذات أصول بعيدة واحدة.

أما كلمة "سيريان"، التي سميت بها سورية، فقد سرت بين سكان المنطقة للتفريق بين الآراميين الذين اعتنقوا المسيحية وأولئك الذين ظلوا على وثنيتهم. بيد أن مجيء اللغة العربية غيَّر معادلة اللغات في بلاد النهرين وسورية، فبما أنها تتحدَّر من أسرة اللغات "السامية" التي تضم الآرامية والأكادية والكنعانية والعربية والفينيقية والعبرية واللغات الجنوبية كالحميرية والسبئية والحضرمية وغير ذلك، فقد تحوَّلت إليها قطاعات كبيرة من أقوام المنطقة حتى صارت لغتهم الأولى.

وبهذا الصدد يقسم المؤرخ الفلسطيني حنا بطاطو الآشوريين/الكلدان في العراق إلى مستعربين اندمجوا في المجتمع العربي، وتبنوا لغته وانتموا إلى الكنيسة الكلدانية، وآشوريين قوميين يصنفون أنفسهم بحسب انتمائهم القومي، ويعارضون فرض اللغة والقومية العربيتين عليهم.

لكنَّ الموارنة، وكانوا أكبر فرع سيرياني غربي، اختلطوا بعد خروج الصليبيين بغيرهم من عرب المنطقة ما أدى إلى تبنيهم العربية لغة نهائية لهم، بل أسهموا في نهاية أيام الدولة العثمانية ببعث القومية العربية من خلال لغتها وآدابها فقدموا، في هذا السياق، أبرز أعلام "النهضة العربية".

لكن من أين جاء آشوريو سورية؟ من مكانين اثنين غالباً: العراق وتركيا. فقد أدت المذابح التي طالت الأرمن على يد الدولة العثمانية عشية الحرب العالمية الأولى إلى هجرة أعداد كبيرة منهم في اتجاه الجزيرة السورية، وكان من بين هؤلاء بعض الآشوريين، لكنَّ المصدر الكبير للتجمع الآشوري في الحسكة فيرجع إلى العراق الذي هربت منه، عام 1933، أعداد كبيرة منهم إلى سورية، التي كانت تحت "الانتداب" الفرنسي بعد مقتلة كبيرة قامت بها حكومة رشيد عالي الكيلاني في ما يعرف بـ "مذبحة سميل".

ويبدو أن مباحثات دارت بين "الانتدابين" البريطاني والفرنسي وعصبة الأمم أسفرت عن قرار بتوطينهم في الجزيرة السورية، حيث شكلوا مع الفارين من مذابح الأناضول نحو 35 قرية، وفي حين تم تجريد الآشوريين من الجنسية العراقية بعد فرارهم؛ فقد منحت لهم الجنسية السورية في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي.

ليست دولة داعش، فقط، من عمل على فقدان منطقة الجزيرة السورية غناها وتنوعها الإثني؛ فقد ظل أمل العودة إلى العراق يحدو الآشوريين الذين عوضوه بهجرات إلى أميركا وأستراليا وبلدان الشمال الأوروبي، في ظل نظام البعث، حتى إن بطريركهم يقيم في شيكاغو، التي تضم أكبر جالية آشورية في العالم، في انتظار العودة إلى الفردوس العراقي المفقود!
دلالات
المساهمون