صباح يوميات تافهة

15 سبتمبر 2014
زحام شوارع بيروت (AFP)
+ الخط -

يرنّ منبّه الهاتف الخلوي في الوقت ذاته كل يوم. الصوت ذاته. والشعور ذاته. ينزل الماء خفيفاً من الحنفيّة. الحنفية صدأت لأن الماء مالح جداً وكلسيّ.

لقد جفّت البئر في البناء القديم. جفّت الآبار في المدينة. بات طعم الماء مثل اليوميات.

ماء المدينة لا يصلح لغسل العينين. يحرقهما. يدمعهما. غسيل الوجه يشبه هدف التسلّل في مباراة كرة القدم.

يصل المصعد بعد انتظار. المرآة فيه مكسورة والجيران لم يدفعوا الاشتراكات الشهرية. هكذا تقول الورقة المعلّقة. المصعد مهدّد بالتوقف لغياب الصيانة.

فجأة، ينقطع التيّار الكهربائي عن المصعد مع أنه ليس دوام التقنين. يبدو أن دوام قطع التيّار قد تغيّر.

كيف يكون شكل الموظّف الذي يقطع التيار الكهربائي عن الناس؟ هل يبتسم في اللحظة التي يضغط فيها على القابس أم تراه يقوم بذلك على مضض؟ هل يشبه الوحوش؟ هل يفكّر بردّ فعل عمله هذا على الوجوه؟

سائق الأجرة لا يملّ من الكلام. معظم السائقين كذلك. يصير الراكب حقل كلام لهم من دون أن يقصد. يكفي أن يلقي التحية عليهم لتبدأ التحليلات التي تمتّد من حادث سخيف لم يسمع به أحد إلى أهم لقاء سياسي في الناحية الثانية من الأرض.

من أين يملك سائقو الأجرة الجرأة على التحليل؟ هل يأتي التحليل خالصاً مع اللوحة العمومية الحمراء؟ طيب، ماذا عن اللوحات المزوّرة التي ملأت المدينة؟

يتوقف السائق لسائح أجنبي رماه حظّه في هذه البلاد. يتأمّل السائق في السائح جيداً ثم يقول بثقة للجالس بقربه: "جاسوس أجنبي". ولأن الأجنبي جاسوس قرّر السائق أن "يسلخه" بالأجرة: "تاكسي".

يتمنّع السائح الأجنبي عن الصعود فيتلقى شتيمة لا يستحقّها.

الازدحام قاتل. كأن الإطارات لا تتحرّك من مكانها. كأن هذه الإطارات مربعة وليست مستديرة.

من الراديو العتيق يعلو صوت المذيعة مؤذياً. عناوين الأخبار كالتالي: دم.. دم.. دم. هذا السائل اللزج يكاد يخرج من فتحات السيارة ليُغرق من فيها.

يتناول السائق سيجارة وطنية من العلبة، يضعها بين شفتيه الغليظتين، يشعلها، وينفث دخانها في وجه الراكب الذي يضيع في هذه الغيمة التي لا تنتهي. يبحث عن متنفّس ويكاد يختنق من الدخان والقهر.

يتقطّع صوت محرّك السيارة. لكن السائق لا يضطرب. يركن السيارة إلى جانب الطريق وينزل منها. يتوجّه نحو الصندوق. يخرج منه قنينة بلاستيكية ممتلئة بالوقود ويفرغها في الخزّان. ينطلق مجدداً.

الطريق مقطوع بالحواجز الحديدية. اليوم الإثنين وهناك اجتماع في مجلس النواب. يغيّر السائق وجهته مرغماً. ستضيع نصف ساعة أخرى قبل أن يصل الراكب إلى وجهته. وقد حان الآن وقت العمل.

صباح الخير.

المساهمون