200 ألف نازح من مناطق وسط الصومال المنكوبة بالفيضانات

200 ألف نازح من مناطق وسط الصومال المنكوبة بالفيضانات

21 مايو 2023
شردت الفيضانات عشرات آلاف الصوماليين (العربي الجديد)
+ الخط -

أجبرت الفيضانات سكان مدينة بلدوين الصومالية والعديد من القرى المحيطة بها على النزوح، بعد أن أغرقت المياه مساكنهم، ودمّرت مزارعهم ومتاجرهم، وتسببت الفيضانات في مقتل 22 شخصاً على الأقل، ونزوح قرابة 200 ألف شخص، بحسب مسؤولين محليين، كما تضررت البنية التحتية للمدينة التي يعيش سكانها منذ أكثر من أسبوع في وضع إنساني مأساوي.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" إن الفيضانات أثّرت على ما لا يقلّ عن 460 ألف شخص، من بينهم نحو 219 ألف شخص شُرّدوا من منازلهم، حتى يوم الجمعة، ولا تزال تأثيراتها تطاول الكثير من سكان مدينة بلدوين التي تقع على بعد 350 كيلومتراً شمال العاصمة مقديشو.
وقال رئيس ولاية هرشبيلي، علي جودلاوي، في إحاطة صحافية، إن "90 في المائة من سكان بلدوين البالغ عددهم نحو مليون شخص تأثروا بالفيضانات التي غمرت المدينة، والكثير منهم ما زالوا عالقين في منازلهم، حيث تحاصرهم المياه، ولا تتوفر إمكانات محلية لدعمهم"، رغم أن فيضانات مماثلة تغرق المدينة مرة كل عامين تقريباً.
وأوضح جودلاوي أن "المئات من سكان بلدوين يفترشون العراء، وبعضهم هربوا نحو المناطق المرتفعة المحيطة بالمدينة، تاركين خلفهم كل ما يملكون، وحالياً لا تتوفر لديهم أدنى مقومات الحياة في ظل استمرار هطول الأمطار"، وأرسل رئيس الولاية نداءات استغاثة إلى الحكومة الفيدرالية، والمنظمات الدولية لتوفير مساعدات إغاثية عاجلة للسكان المتضررين من الفيضانات، مؤكداً أن "احتياجات النازحين تشمل البطانيات، والخيام، إلى جانب توفير الأدوية للمتأثرين بمياه الصرف الصحي بعد أن دمرت مياه الفيضانات الشبكات".
وباتت منطقة "عيل جالي" القريبة ملاذ سكان بلدوين، إذ لا تصل إليها مياه الفيضانات، ما جعل مئات الأسر تتوجه إليها، فضلاً عن القرى القريبة المحيطة بالمدينة التي تعاني من التغيرات المناخية، بين الجفاف تارة، والفيضانات الناجمة عن الأمطار الغزيرة تارة أخرى.
تقول صديقة عمر نور، وهي ربة منزل من بلدوين، لـ"العربي الجديد"، إنها غادرت منزلها في المدينة مع أطفالها إلى ساحات اجتمع فيها الهاربون من الفيضانات بالقرب من المطار، لكنها حالياً لا تملك ما تطعم به صغارها، بعد أن أصبحوا يعيشون في العراء، كما لا تملك ما يمكنها من بناء كوخ صغير تحتمي به بشكل مؤقت إلى حين تراجع منسوب مياه النهر.

الصورة
آلاف الصوماليين يبيتون في العراء (العربي الجديد)
آلاف النازحين الصوماليين يبيتون في العراء (العربي الجديد)

تضيف صديقة: "تركت الملابس والأثاث في المنزل. فضلت حمل صغاري بدلاً من حمل الأمتعة، وحالياً نحتاج إلى ملابس وبطانيات وطعام ومياه صالحة للشرب، إذ لا نملك حتى أحذية للصغار".
ويقول المسن الصومالي عبد الله (88 سنة)، لـ"العربي الجديد": "دفعتني مياه الفيضانات إلى خارج بلدوين، وأعيش مع أحفادي في كوخ صغير متواضع. وضعنا المعيشي سيئ، فالفيضانات أغرقت منازلنا، والأمطار التي تهطل تهدد الكوخ الذي نحتمي به. نحن بحاجة إلى إغاثة عاجلة تبدأ بتوفير مأوى للعيش، إضافة إلى توفير الطعام ومياه الشرب، فمياه الفيضانات ليست صالحة للاستخدام، كما أن عدم توفر المراحيض يتسبب في مشكلة صحية كبيرة، ونناشد الجميع دعمنا قبل أن تتفاقم أوضاعنا المعيشية والصحية".
ومع توقف الحياة في بلدوين بعد إغلاق المحال التجارية وغرق الأسواق المحلية، يواجه الكثيرون بطالة إجبارية، خاصة أولئك الذين كانوا يعملون بالمياومة لتدبير احتياجاتهم، ما يعرض كثيرين لأزمات معيشية بسبب عدم توفر المال لتوفير الاحتياجات الأساسية.
يقول النازح علي عبد الله لـ"العربي الجديد": "لا أملك أي مال لإطعام أطفالي في ظل هذه الأزمة، فقد توقفت أعمالنا بسبب الفيضانات، ونواجه ظروفاً معيشية قاسية منذ نزوحنا إلى هذه المنطقة التي لا تتوفر فيها أدنى مستلزمات الحياة. أطفالي لا يجدون الطعام، ولا عمل لدي، وجميعنا نعاني من نفس الظروف الإنسانية، فلا أحد أفضل من غيره من حيث الغذاء أو المسكن".
وفي ذات السياق، تعرضت العديد من القرى المطلة على نهر شبيلي إلى فيضانات جارفة، وتضررت الكثير من مزارع الحبوب، ودمرت مئات الأشجار، فهربت مئات الأسر نحو الأحراش المرتفعة التي تبعد عن مدينة بلدوين نحو عشرين كيلومتراً.

الصورة
لا تملك العائلات الصومالية النازحة طعاماً للأطفال (العربي الجديد)
لا تملك العائلات الصومالية النازحة طعاماً للأطفال (العربي الجديد)

نزحت أسرة حسن جودح قبل أيام من من قرية "بعد" التي أغرقها الفيضان العارم لنهر شبيلي، ويقول جودح لـ"العربي الجديد": "لا نملك مواد غذائية كافية، لكنني أحاول تأمين وجبة واحدة يومياً للأطفال بعد أن حصلت على مساعدة متواضعة من قبل بعض سكان (جري عدي) التي نزحنا إليها. تتألف أسرتي من عشرة أفراد، وحالياً ليس لدينا مأوى يقينا من الأمطار أو حر الشمس".
يضيف: "نبيت تحت شجرة لا ظل لها، ونعاني من عدم وجود المراحيض، وكلما تهطل الأمطار تغرقنا المياه. هذه الفيضانات لم تكن متوقعة، وبالتالي لم نتأهب لمواجهتها. هربت تاركاً كل مستلزمات حياة أسرتي الأساسية، كان يكفي أن أنقذ الأسرة من الهلاك".
ويشير جودح إلى أن "ما يفاقم الأسى أن الفيضانات اجتاحت القرية بالتزامن مع موسم زراعة الحقول، فغمرتها بالمياه. مزرعتي كانت مليئة بالبطيخ والطماطم وغيرها، لكنها تضررت، وكلفة هذا الزرع كانت ديناً عليّ، وأنا الآن مهموم بسبب هذه الحالة المزرية؛ إذ تحولت المزرعة إلى بركة مياه، ولا أملك شيئاً لزراعتها مجدداً بعد أن تجف، والقرية التي نزحت إليها صغيرة، ولا تتوفر فيها فرص عمل، كما لا أستطيع العودة إلى قريتي بسبب استمرار الأمطار".
وتعد أسرة جودح واحدة من آلاف الأسر الصومالية التي تمتهن الزراعة على ضفاف الأنهار مستفيدة من قنوات المياه الصغيرة لزراعة الحبوب، وتوفير منتجات زراعية تؤمن سبل معيشتهم الأساسية، لكن فيضان النهر قلب حياة تلك الأسر رأساً على عقب.
تقول عرب عمر عبد الله، لـ"العربي الجديد": "تضررت مزرعتي الصغيرة في قرية (ليبو) من جراء الفيضانات، ونزحنا إلى كوخ صغير من أغصان الأشجار وقطع الملابس البالية في قرية (شير كنيعو). في بداية الشهر كان لدينا ما يكفينا من الطعام، أما الآن فلا تأكل إلا وجبة واحدة يومياً بعد أن استدان أحد الأقارب بعض الطعام المكون من دقيق وأرز وسكر من أحد دكاكين القرية".

تعرب السيدة الصومالية عن خشيتها من نفاد الطعام خلال الأيام المقبلة، ولا تعرف ما الذي يمكن أن تفعله حينها. "يؤرقني أن أطفالي باتوا في العراء، ولا أملك ما يسد جوعهم، والله وحده قادر على إنقاذنا من تلك الحالة المأساوية".
في الأثناء، أرسلت الحكومة الفيدرالية 50 شاحنة محملة بالمؤن الغذائية إلى مدينة بلدوين، انطلقت من العاصمة مقديشو يوم الخميس الماضي، ووصلت إلى بلدوين صباح السبت، وذلك لمواجهة الأزمة المعيشية التي يواجهها آلاف النازحين من بلدوين والقرى المحيطة.
وقال مدير هيئة الكوارث الحكومية، محمود معلم، في مؤتمر صحافي بالعاصمة مقديشو، إن الهيئة أرسلت الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية إلى مدينة بلدوين، وإن هذه الشاحنات تحمل مواد غذائية متنوعة تشمل 2150 شوالاً من الدقيق، و3850 كارتونة من التمور، و1870 كارتونة من الزيت، و400 كارتونة معكرونة، و2450 من الفول، و1000 من الطماطم، و1450 علبة سمك، و1450 شوالاً من القمح، ومثلها من الأرز، فضلاً عن 90 كارتونة من الأدوية المختلفة، و67 كارتونة من الملابس.
وتوقعت هيئة إدارة الكوارث الصومالية تلقي مساعدات إغاثية من دول عربية عدة، من بينها قطر والإمارات والسعودية والكويت، بهدف الحد من تداعيات الكارثة البيئية القائمة في وسط البلاد، والتي خلفتها أسوأ موجة فيضانات منذ عام 2018.
وعادة ما تجتاح مياه الفيضانات مرة كل عامين مناطق وسط الصومال، بسبب ارتفاع منسوب مياه نهر شبيلى في أعقاب من تدفق مياه الأمطار التي تهطل بغزارة على المرتفعات الجبلية الإثيوبية، وفي المقابل، تغيب الخطط الحكومية لمواجهة أزمة الفيضانات المتكررة، في حين تكررت مطالبات السكان ببناء سدود تمنع وصول المياه إلى مدينة بلدوين والقرى القريبة منها.

المساهمون