يوميات الحرب... هكذا تعيش كييف الغزو الروسي

يوميات الحرب... هكذا تعيش كييف الغزو الروسي

16 مارس 2022
"مخبأ" مناسب لاتّقاء القصف بأنواعه (ديميتار ديلكوف/ فرانس برس)
+ الخط -

وسط امتداد زمن الحرب الروسية في أوكرانيا والاقتراب من أسبوعها الرابع وعدم تحقّق رهانات الكرملين في ما يخصّ السيطرة السريعة على كييف، لا يستسلم سكان العاصمة الأوكرانية كييف لليأس على الرغم من الظروف الصعبة، بل يواصلون حياتهم اليومية ويستعدّون للدفاع عن المدينة في مواجهة الغزو الروسي.
وترصد "العربي الجديد" أجواء كييف في زمن الحرب وكيفية تشغيل المرافق الحيوية للمدينة وحياة المواطنين في الظروف الاستثنائية التي فُرضت عليهم، فاختاروا مواصلة أعمالهم وإيجاد وسائل للترفيه في الملاجئ تحت الأرض وحتى إنجاب أطفال كُتب لهم القدر أن يروا الدنيا في هذا الوقت العصيب.

المدينة تحيا تحت أرضها
منذ الرابع والعشرين من فبراير/ شباط الماضي، انتقل قسم من سكان العاصمة الأوكرانية فعلياً للعيش في الملاجئ تحت الأرض، هرباً من الغارات الصاروخية الروسية. ويسعى سكان كييف إلى الاختباء في أقبية المباني والملاجئ ومحطات المترو العميقة حيث تقوم حياة خاصة بعد أكثر من أسبوعَين على اندلاع الحرب، علماً أنّ الملاجئ زُوّدت بالكهرباء والمياه وغيرهما من الموارد اللازمة للحياة فيها.
علاوة على ذلك، أطلقت سلطات المدينة منصّة لتشغيل خدمة الإنترنت في المخابئ تحت الأرض. وفي حال عدم توفّرها، يمكن للسكان تسجيل أنفسهم عبر بوابة إلكترونية خاصة للبقاء متّصلين بالشبكة. ومن أجل دعم السكان معنوياً في هذه الأوقات العصيبة، تُنظَّم عروض رسوم متحركة وأخرى سينمائية أوكرانية في 14 من محطات المترو، من بينها محطات "سيريتس" و"ساحة ليف تولستوي" و"الصداقة بين الشعوب".
ويواصل المترو كما وسائل النقل العام الأخرى العمل بشكل طبيعي من الساعة الثامنة صباحاً حتى السابعة مساءً، مع تقليص عدد المركبات على بعض المسارات، نظراً إلى تطوّع عدد من العاملين في منظومة النقل للدفاع عن المدينة. ويمكن العبور بين ضفّتَي نهر دنيبر الغربية والشرقية عبر جسرَي "دارنيتسكي" و"سيفيرني" (الشمالي).

الصورة
كييف وسط الحرب 1 (العربي الجديد)
زُوّدت الملاجئ بكهرباء ومياه (العربي الجديد)

خدمات طبية مجانية 
على الرغم من وضع الحرب، فإنّ مستشفيات كييف تواصل بمعظمها عملها وتقدّم خدماتها للمرضى مجاناً. ويمكن الحصول على المعلومات حول توفّر أماكن شاغرة في مستشفى بعينه عبر اتصال هاتفي. أمّا الخدمات الطارئة لطبّ الأسنان، فتُقدَّم مجاناً كذلك بين الساعة العاشرة صباحاً والرابعة من بعد الظهر.
كذلك لم يتوقّف تقديم الخدمات لمرضى السرطان، وذلك في قسم العلاج الكيميائي الذي يتّسع لـ20 شخصاً، بالإضافة إلى قسم العلاج التلطيفي الذي يضمّ 20 سريراً لاستقبال مصابين بالسرطان تدهورت حالاتهم في المراحل النهائية. كذلك تُشغَّل في العاصمة ستة أقسام للعلاج التلطيفي، تقدّم خدماتها مجاناً للمصابين بأمراض عضالة غير السرطان.
من جهتها، تواصل مستشفيات ودور التوليد استقبال قاصديها. وفي هذا الإطار، يؤكّد عمدة كييف فيتالي كليتشكو، بطل العالم السابق في الملاكمة، أنّ "الأطباء المناوبين كلّهم يقدّمون كلّ الخدمات اللازمة للجميع". يضيف كليتشو: "زرت دار التوليد رقم 7 في كييف، وهي تعمل في ظروف وضع الحرب وتقدّم الخدمات الدورية والعاجلة للحوامل اللواتي يعانينَ من مضاعفات. وقد تحدّثت مع الأطقم الطبية والأمهات، وتفقّدت المخبأ المخصّص لاستقبالهنّ في حال الخطر"، موضحاً أنّ "المخابئ مجهّزة تماماً، خصوصاً لاستقبال الرضّع المولودين حديثاً الذين يحتاجون إلى عناية مركّزة وكذلك المواليد الخدّج".   يُذكر أنّه منذ بدء الحرب وحتى تاريخ كتابة هذا التقرير، وُلد 82 طفلاً في هذا المستشفى، بمن فيهم توأمان. وفي المجمل، وُلد 479 طفلاً، بمن فيهم 251 صبياً و228 بنتاً في كييف.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة لرعاية صحة سكان كييف وتقديم الخدمات لهم، فإنّ ذلك يكاد يكون مستحيلاً في أحيان كثيرة في ظروف الحرب. فعند تجدّد القصف، يضطر المصابون بأمراض بالغة الخطورة إلى البقاء لساعات بل أيام طويلة في الأقبية التي يتعذّر فيها تقديم الخدمات الطبية اللازمة.
ويعلّق طبيب في مستشفى "أوخماتديت" التخصصي للأطفال، قائلاً لـ"العربي الجديد": "يبقى أطفال مصابون بأمراض خطرة مثل الميتوكوندريا أو العيوب الخلقية في الأقبية"، شارحاً أنّ "مبنانا الرئيسي يتألّف من طبقتَين، ويمكن للأطفال فيه الحصول على الأوكسيجين. لكنّنا نضطر في أثناء القصف إلى نقل الأطفال إلى القبو، حيث لا تتوفّر الظروف التي يحتاجون إليها".

الصورة
كييف وسط الحرب 2 (العربي الجديد)
لا يستسلم سكان كييف لليأس (العربي الجديد)

توفير المواد الغذائية 
على الرغم من القصف الصاروخي وتخوّف سكان العاصمة من وقوع استفزازات روسية، فإنّ متاجر عدّة للمواد الغذائية في كييف تواصل عملها بشكل طبيعي. وللحدّ من تحرّكات السكان، أطلقت سلطات كييف خريطة إلكترونية تُظهر المتاجر المفتوحة، وأخرى لتوفير مياه الشرب ومضخّات المياه. كذلك يستمر عمل مرافق توصيل المياه إلى الشقق من دون انقطاع. بدورها، تواصل الصيدليات بمعظمها عملها، شأنها في ذلك شأن خدمات التوصيل.
وفي حال لم يكن بوسع السكان توفير الغذاء لأنفسهم، يمكنهم اللجوء إلى مراكز محلية في أحيائهم للتقدّم بطلب مساعدة. ويبلغ عدد مثل هذه المركز في كييف اليوم 11 مركزاً قدّمت مواد غذائية ووجبات ساخنة لنحو سبعة آلاف شخص، علماً أنّ هؤلاء حصلوا على 4568 حصّة مواد غذائية وأكثر من ألفَي وجبة ساخنة. 

الصورة
كييف وسط الحرب 4 (العربي الجديد)
تواصل متاجر عدّة للمواد الغذائية في كييف العمل (العربي الجديد)

أمّا موظفو الرعاية الاجتماعية، فيواصلون تقديم الخدمات للمسنّين الذين لا أقرباء لهم في منازلهم، وكذلك للأشخاص ذوي الإعاقة والمصابين بأمراض عضالة. وتشمل الخدمات إعداد وجبات طعام لهم، وشراء المواد الغذائية وتوصيلها لهم، والإطعام، والتنظيف، وغير ذلك. ويستفيد أكثر من ثلاثة آلاف شخص من مثل هذه الخدمات في الوقت الحالي. يُذكر أنّه بالإضافة إلى ذلك، تواصل منظمات التطوّع عملها في العاصمة لضمان استمرار الخدمات الحيوية بالمدينة.
وبصرف النظر عن الظروف العسكرية الصعبة، تعمل الدولة الأوكرانية على ضمان استقرار الأوضاع المالية للمواطنين، وقد أجرى صندوق التقاعد الأوكراني أخيراً عمليات تحويل معاشات التقاعد عن شهر مارس/ آذار الجاري، فيما يمكن للأوكرانيين الذين خسروا عملهم بسبب الحرب الحصول على معونة مالية قدرها 6500 هريفنا أوكرانية (نحو 220 دولاراً أميركياً).

الصورة
كييف وسط الحرب 3 (العربي الجديد)
محاولات للعيش بطريقة طبيعية (العربي الجديد)

ترقّب أعمال القتال 
على الرغم من توقّف أعمال القتال وتراجع كثافة القصف والانفجارات في كييف، فإنّ مستوى قلق سكان المدينة لم يتراجع، بل يشعرون بالصدمة بسبب شنّ القوات الروسية غارات واسعة النطاق تستهدف أحياء سكنية في مدن شرقي أوكرانيا وشمالها بالصواريخ والقنابل.
ويتخوّف سكان كييف من أن تجدّد القوات الروسية محاولات اقتحام العاصمة، من دون النظر إلى سقوط ضحايا بين المدنيين. ويحذّر كليتشكو من "نوايا الجيش الروسي فرض طوق حول كييف"، مشدداً على أنّ المدينة تستعد لذلك بشكل مكثّف، وسط نصب متاريس وعوائق أخرى قد تشكّل مصيدة للمتقدّمين. ويقول كليتشكو: "ندرك أنّ مدينة كييف هي هدف المعتدي، ونقوم بكلّ ما بوسعنا حتى يصبح كلّ شارع وكل بناية وكل نقطة تفتيش قلعة حقيقية. يمكنني القول بوضوح إنّ العدوّ لن يمرّ. سوف ندافع عن مدينتنا وبيوتنا وبلادنا".
بدوره يؤكد رئيس الإدارة العسكرية لمدينة كييف نيكولاي جيرنوف على استعداد كييف للدفاع الشامل، موضحاً أنّ ثمّة أربعة اتجاهات رئيسية للدفاع عن المدينة، فيما يعمل أفراد الدفاع الإقليمي على تجهيز المدينة للدفاع ويحصل العسكريون الأوكرانيون يومياً على مزيد من الأسلحة والعتاد العسكري. 

ولا يستسلم المواطنون الأوكرانيون لليأس، إذ أظهر استطلاع للرأي أعدّته مجموعة "ريتينغ" (تصنيف) أنّ نحو 90 في المائة من الأشخاص المستطلعة آراؤهم يثقون بقدرة الدولة على التصدّي للهجوم الروسي، فيما أعرب 98 في المائة منهم عن دعمهم القوات المسلحة الأوكرانية، و93 في المائة عن دعمهم لعمل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، و84 في المائة عن استحسانهم لأداء السلطات المحلية.

المساهمون