قبل نحو 13 عاماً، لم يُحالف الحظ وسام فرحات (32 عاماً) في الحصول على وظيفة في وزارة العمل أو غيرها من الوظائف الشاغرة والمؤقتة الممولة من الدول المانحة. وإن كان يُدرك الواقع الاقتصادي الصعب وارتفاع نسبة البطالة في قطاع غزة، إلا أنه كان يأمل الحصول على هذه الفرصة. لكنّه لجأ إلى ممارسة هواية الرسم وصناعة التحف التي تستخدم للزينة في البيوت وغيرها، وقد تحولت هوايته هذه إلى مصدر رزقه.
عام 2008، حصل فرحات على إجازة في التمريض من جامعة الأزهر في غزة. كان يحلم بدراسة الفن التشكيلي وكان يهوى الرسم والفن التشكيلي منذ صغره. لكنه درس التمريض تنفيذاً لرغبة والدته. وعلى غرار الآلاف من الشباب، أُدرج اسمه في سجلات وزارة العمل في غزة من دون أن يُدعى إلى إجراء مقابلة.
ثم بدأ ممارسة هوايته، وزيّن شقّته بنفسه ووضع العديد من التحف واللوحات، لكن من خلال إعادة تدوير كل ما لم يعد صالحاً للاستعمال. يقول لـ "العربي الجديد": "منذ كنت طفلاً، أحب الرسم. وفي المدرسة، كانت حصة الرسم الأهم بالنسبة إلي. كنتُ أنتبه إلى كل تفصيل يقوله المدرس خلال الحصة، وقد شاركت في الكثير من الأنشطة المدرسية من خلال الرسم. وكانت موهبتي سنداً لي بعدما تخرجت من الجامعة".
عمل منشطاً للأطفال خلال الإجازة الصيفية بالتعاون مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، وذلك على مدار أربع سنوات بنظام عقد لمدة ثلاثة أشهر في العام. كان يدرب الأطفال على السباحة والرسم وتصميم الأشكال الفنية، بالإضافة إلى التفريغ النفسي من خلال اللعب.
كذلك، تطوع فرحات في مستشفى القدس وسط مدينة غزة التابع للهلال الأحمر الفلسطيني خلال الحرب الإسرائيلية الأولى 2008 ـ 2009، مستذكراً تعرّض المستشفى لحريق وإنزال جنود القوات الإسرائيلية في المنطقة حينها. كان يعمل ضمن الطواقم الصحية، واستمر عمله بعد الحرب آملاً الحصول على وظيفة، من دون جدوى.
يقول فرحات لـ "العربي الجديد": "تقدمت بطلب تشغيل إلى وزارة العمل وعدد من المستشفيات. لكن للأسف، منذ 13 عاماً وحتى اللحظة، لم أجد أية فرصة. أسمع كثيراً عن مشاريع تشغيل مؤقتة للخريجين، من دون أن أجد اسمي في أي قائمة. ما زلت أتذكر طبيعة عملي. وإذا احتاج أهلي وأقاربي أو أصدقائي تنظيف الجروح أو غيرها من المهام التي يقوم بها الممرض عادة، لا أتردد في المساعدة. ما زال الناس ينظرون إليّ كممرض، رغم أنني بتّ فناناً تشكيلياً".
صنعَ لابنته ريما (4 أعوام) فانوساً خشبياً خلال شهر رمضان، معتمداً على أخشاب تالفة أعاد تدويرها. وفكر أنه يمكن أن يكسب دخلاً من مشروعه. بداية، صنع وروّج صناعته بين أصدقائه وأقاربه، موضحاً أن الإقبال كان ضعيفاً لكنه كان محفزاً في الوقت نفسه. وخلال شهر رمضان من كل عام، اعتاد تصميم فوانيس صغيرة وكبيرة من الأخشاب المستعملة (المشاطيح). وقبل عام، بدأ يصنع خلال أعياد الميلاد رجل ثلج من أخشاب وخيطان سميكة، بالإضافة إلى أشجار ميلاد خشبية، وغيرها من أدوات الزينة والإنارة المرتبطة بهذا الشهر.
في وقت لاحق، راح يتوسع في إعادة تدوير الأخشاب التالفة وغير التالفة، والكرتون والزجاج وغيرها ليصنع منها الهدايا والتُحف واللوحات. وأحياناً، يرسم شعارات وأسماء عليها، عدا عن البراويز وتحويله الكثير من التفاصيل إلى أشكال جميلة وأحياناً صناديق وغير ذلك. وما زاد من جمالها هو الألوان التي كان يستخدمها. كان يروج لما يصنعه عبر صفحته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي. لكنه قبل شهرين، أطلق صفحة خاصة لعمله على فيسبوك وإنستغرام باسم "كاستنا غالري".
يقول: "المواد التي أستخدمها صديقة للبيئة. هناك مواد أو أغراض تالفة لا تخطر على بال أحد يمكن أن أصنع منها هدية وأقوم بإضافات عليها لتصبح تحفة فنية. ولا يكاد أحد يصدق ذلك. أستغل الموارد المتاحة لدي لإتمام ما أريد صنعه. وأصبحت أستقبل الطلبات من الزبائن، وأصمم بعض الأشكال التي يطلبها الزبون".
استطاع هذا المشروع أن يحسّن دخل فرحات في الوقت الحالي، وهو يتطلع إلى أن يكبر مشروعه من خلال إعادة تدوير الكثير من المواد التالفة والابتكار وصناعة أمور جديدة، ثم افتتاح متجر له. في الوقت الحالي، يستقبل بعض زبائنه الرجال داخل منزله الذي يعكس حبه للفن والرسم وابتكار ما هو جديد مع الحرص على حماية البيئة.