وزيرة الداخلية البريطانية تشجّع الشرطة على "تكثيف التوقيف والتفتيش"

19 يونيو 2023
في موقع جريمة نوتنغهام الأخيرة (دارن ستيبلس/ فرانس برس)
+ الخط -

لم يمضِ أسبوع بعد على حادثة نوتنغهام التي راح ضحيّتها ثلاثة أشخاص (طالبان جامعيان في التاسعة عشرة من عمرهما ورجل في الستينات)، حتى أصدرت وزيرة الداخلية البريطانية سويلا برافرمان توجيهات جديدة للشرطة، تدعوها فيها إلى "تكثيف عمليات التوقيف والتفتيش".

وكانت الشرطة البريطانية قد طوّقت الشوارع الرئيسية في مدينة نوتنغهام يوم الثلاثاء الماضي، معلنة عن "حادثة كبيرة" وعن ثمانية مسارح جريمة تتعامل معها، بعدما أقدم رجل في الثلاثين من عمره على طعن طالب وطالبة جامعيَّين عند الساعة الرابعة والنصف فجراً، ثمّ قتل رجلاً ستينياً وسرق شاحنته الصغيرة وحاول دهس المارّة بها.

وقد بدا التعاطي الحكومي والإعلامي لافتاً مع الحادثة التي تكاد تكون "روتينية" في بلد تكثر فيه جرائم الطعن، إذ استمرّ "الاستنفار" الأمني كما الإعلامي إلى ساعة متأخرة من ذلك اليوم، الأمر الذي يوحي بأنّ السلطات تتعامل مع جريمة إرهابية تهدّد الأمن القومي وليس مع حادثة طعن.

وعلى الرغم من أنّ الحكومة البريطانية ليست في مصاف الحكومات الشمولية، وبالتالي يصعب القول إنّها "افتعلت" هذه الحادثة في يوم عصيب ومليء بالتحديات السياسية لتغطّي على إحباطاتها، فإنّها "استفادت" منها حتماً واستثمرتها قدر الإمكان، أوّلاً للتهرّب من مآزقها وثانياً لتشديد قبضتها الأمنية أكثر فأكثر بحجة "منع العنف وإنقاذ الأرواح". ويأتي ذلك في وقت لم تحدّ فيه كلّ الإجراءات المتّخذة أخيراً من جرائم العنف، لا سيّما الطعن والسرقات وسط أزمة اقتصادية خانقة وغلاء معيشة غير مسبوق.

وهذه ليست المرّة الأولى التي تُصدر فيها وزيرة الداخلية في حكومة المحافظين قرارات وتوجيهات تتيح للشرطة استخدام صلاحيات واسعة، وربّما ممارسة "بعض العنف" تحت غطاء القانون. فقد سبق لبرافرمان أن أقرّت قانون "النظام العام" الجديد في بداية شهر مايو/أيار الماضي، بالتزامن مع مراسم تتويج الملك تشارلز الثالث، الأمر الذي أثار انتقادات عنيفة، خصوصاً أنّ القانون يتيح للشرطة صلاحيات الاعتقال التعسّفي والتفتيش واستخدام العنف، بالإضافة إلى فرض عقوبات تصل إلى حدّ السجن مدّة عامَين لكلّ من "يعيق" سير الحياة العامة من خلال التظاهر.

وتُعَدّ جمعياتُ الدفاع عن البيئة الأكثرَ تضرّراً من هذا القانون، لأنّ بنوده صُمّمت على مقاس احتجاجاتها والأساليب التي تستخدمها للتعبير عن آرائها، غير أنّه لا يشملها حصراً، فهو يقيّد حرية التعبير والتظاهرات السلمية في كلّ مكان. وبالفعل، أدّت البنود الجديدة إلى تنفيذ الشرطة أكثر من 50 عملية توقيف قبل بدء مراسم التتويج بساعات قليلة.

وفي بيان موّجه إلى قوات الشرطة البالغ عددها 43 ألفاً في إنكلترا وويلز، أوضحت برافرمان أنّ "أولويتي الأولى هي الحفاظ على السلامة العامة"، وأشارت إلى أنّ عناصر الشرطة "يحظون بتأييدي الكامل لتكثيف عمليات التوقيف والتفتيش عندما يجدون ضرورة لذلك". ووفقاً للتوجيهات الجديدة، يمكن للشرطة أن توقف وتفتّش أيّ فرد أو سيارة إذا امتلكت "أسباباً معقولة" للاشتباه في أنّ الشخص يحمل سلاحاً أو مخدّرات أو مسروقات وكلّ ما يمكن استخدامه لارتكاب جريمة ما.

وكانت وزيرة الداخلية السابقة في حكومة رئيس الحكومة المستقيل بوريس جونسون، بريتي باتيل، قد افتتحت موسم التعديلات على قواعد التوقيف والتفتيش، و"نسفت" قبل عام ونصف عام القوانين التي أقرّتها رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي، والتي تحدّ من صلاحيات الشرطة حفاظاً على "حرية التعبير". يُذكر أنّ ذلك أدّى حينها إلى إطلاق انتقادات عنيفة، إذ إنّ هذه الصلاحيات والسلطات من شأنها أن تعزّز "الظلم" الذي يعيشه مجتمع الأقليات العرقية، خصوصاً الرجال السود فيه.

وتبيّن الإحصاءات الحكومية أنّ السود أكثر عرضة للتوقيف والتفتيش بسبع مرّات مقارنة بالأشخاص البيض في بريطانيا. ومع أنّ برافرمان وافقت في بيانها على ذلك، إلا أنّها رأت أنّ السود "تأثّروا كذلك بشكل غير متناسب بجرائم الطعن". أضافت أنّ "كلّ حالة وفاة من جرّاء جرائم الطعن هي مأساة، ولهذا السبب، أؤيّد الشرطة في طريقة تعاطيها مع هذه الآفة في المجتمعات المتضرّرة بشكل غير متناسب كمجتمع الذكور السود".

تجدر الإشارة إلى أنّ سياسات برافرمان، وقبلها باتيل، تركّزت بصورة أساسية على تقييد عبور طالبي اللجوء إلى المملكة المتحدة، وذلك إمّا من خلال خطة رواندا سيّئة الصيت، وإمّا من خلال قانون "أوقفوا القوارب" الذي يتيح لقوى الأمن اعتقال كلّ طالب لجوء ثمّ ترحيله فوراً إلى رواندا، أو تسليمه إلى دولته في حال كان بلده "آمناً". كذلك، اتُّهمت الوزيرتان بتبنّيهما سياسات "عنصرية" و"متطرّفة" تجاه ضحايا الحروب المستضعفين وتجاه الناشطين السلميين على حدّ سواء.

يُذكر أنّه في تقرير مفصّل عن سياسات الهجرة، رأت اللجنة المشتركة لحقوق الإنسان في مجلسَي النواب واللوردات أنّ القانون الجديد "ليس شرعياً"، وأنّه "ينتهك عدداً كبيراً من التزامات المملكة المتحدة في حقوق الإنسان ويخاطر بخرق التزامات أخرى".

المساهمون