كشفت وزارة التربية الجزائرية عن بدء التفكير في تغيير آليات نجاح الطلبة في شهادة البكالوريا (الثانوية العامة) وانتقالهم إلى الجامعة، في الوقت الذي تثير الفكرة مخاوف جدية لدى النشطاء والخبراء في قطاع التربية من المساس بمصداقية شهادة البكالوريا في الجزائر.
وقال المفتش المركزي، بلعور بوعلام، الأحد، في برنامج بثّته قناة محلية (الشروق) إنّ الوزارة تدرس إمكانية جعل الانتقال إلى الجامعة مستقبلاً، يعتمد على حساب المعدّل العام السنوي للطالب، بالإضافة إلى النتائج التي يحصل عليها في امتحان البكالوريا، بعدما كان هذا الأخير، وحده المحدد الرئيس لمصير الطالب. وتبني وزارة التربية فكرتها على أساس وجود مئات الحالات لطلبة مجتهدين خلال السنة الدراسية، ممن يخفقون في امتحان البكالوريا، لاعتبارات غير معرفية وعلمية، وترتبط في الغالب بالظروف التي يجري فيها الامتحان والمخاوف والضغوط النفسية المصاحبة له، وهو ما دفعها إلى التفكير في إدخال نتائج السنة الدراسية للطالب في حساب مجموع النتائج في البكالوريا.
ويأتي الإعلان عن هذا الخيار، بعد أقلّ من أسبوع، من قرار وزارة التربية الجزائرية إلغاء امتحان الصف الخامس الذي يسمح بانتقال التلاميذ إلى الصف المتوسط، وهو ما يثير في الوقت الحالي نقاشاً جدياً حول خيارات الإصلاح التربوي التي تتّجه إليها وزارة التربية، خاصة بسبب كثافة تجارب الإصلاح في قطاع التعليم خلال العقود الأخيرة في الجزائر، والفشل الذي أفضت إليه هذه التجارب لعدم استنادها إلى دراسات علمية وتصورّات تربوية واضحة، ومخاوف من غموض الأفكار الجديدة التي تطرحها وزارة التربية، خاصة وأنّ الوزير الحالي عبد الحكيم بلعابد نفسه، كان يشغل منصب أمين عام للوزارة في العقود السابقة التي نُفذت فيها مشاريع الإصلاح الفاشلة.
وحذّر الكاتب المهتم بقطاع التربية والتعليم عبد الحميد عثماني، من أن يؤدي المقترح الجديد إلى "العبث بمصداقية البكالوريا"، وأكّد في قراءة نشرها على صفحته على فيسبوك، أنّ المعضلة التي تثير المخاوف تتعلق بضعف الشفافية في عمليّة التقييم التربوي بقطاع التربية، "ولذلك يستحيل في مثل هذه الحالة الانتقال، على المدى القريب ولا حتّى المتوسط، إلى المقترح الموضَّح أعلاه، لأنه سيفتح مباشرة ويقيناً الطريق للّعب بنتائج امتحان حاسم، وترتيب مخرجاته وطنيا وجهويا ومناطقيا، بل ولائيا وبلديا وحتى مدرسيا ومن قسم إلى آخر، والدليل القاطع على ذلك هو علامات مادة التربية البدنية في النظام الحالي، حيث هي 19/20 لكل التلاميذ والتلميذات (وهناك من يُمنح 20/20)، بسبب صبِّها تلقائيا في كشف النقاط من دون أي استحقاق رياضي. وفي حال تمّ العمل بنظام المعدّل التركيبي في الوقت الحالي، ستصبح شهادة البكالوريا تجارة في المزاد العلني، وطريقاً يسيرة للابتزاز والرشاوى". وأشار إلى أنّ "مسألة "إصلاح امتحان البكالوريا" تحيل مجدداً إلى إثارة مطلب عودة العمل بهيئة "المجلس الأعلى للتربية"، أو ما شابهها، والتي لا يمكن الالتفاف حولها بتنصيب "اللجنة الوطنية للبرامج" المقرَّرة أخيراً، على أهمِّية تركيبتها ودورها في "السهر على انسجام الموارد المعرفية والمناهج مع السياسة التربوية الوطنية".
ويعتقد الخبراء في قطاع التربية أنه وبغض النظر عن وجود حالة إجماع على ضرورات إصلاح البكالوريا، لكونه يمثّل جزءاً من كل وهو إصلاح المدرسة، فإنّ هناك تبايناً واضحاً بشأن طرق وكيفيات الإصلاح التي يجب أن تشمل كامل النظام التعليمي. وبعض الإصلاحات لا تتفق بالضرورة مع الطرح الذي تقدمه الوزارة، واعتبار أنّ إصلاح البكالوريا والمدرسة يجب حتماً أن يمسّ جانبين وهما التعلّم والتقويم، وأي حديث عن إصلاح البكالوريا بعيداً عن إصلاح هذين الجانبين معاً، سيكون مجرد أفكار سطحية.
وفي السياق، قال عبد القادر بودرامة، الخبير في الإصلاح التربوي، في تصريح لـ"العربي الجديد" إنه "يجب إصلاح التعلّم من خلال تبني منهجية علمية صحيحة وصريحة، ويُصلح التقويم من خلال بناء "عُدة للتقويم" ما يجعله متناغماً مع التعلم منهجاً وغاية، فلا يصح منهجياً أن تعلّم وفق منهج وتقوّم وفق منهج آخر مغاير، وفي حال إسقاط هذا المنطق على البكالوريا، يمكن القول إنّ البكالوريا حالياً هي عبارة عن قياس للمعرفة الحقائقية في علاقتها بأبسط عملية معرفية وهي التذكر، وهذا من خلال اختبار التلاميذ في وضعيات مألوفة تدرب عليها مراراً في الثانوية وفي الدروس الخصوصية التي تعتمد مبدأ تحفيظ التلاميذ أكبر قدر من حلول التمارين التي لن تخرج عنها مواضيع البكالوريا". وأشار إلى أنّ "هذا واقع مزر يجب تغييره من خلال تبني منهجية علمية صحيحة تؤدي إلى تغيير مهمة المدرسة من تلقين المعارف إلى تعليم التفكير والتصرّف ومن ثم الخروج بالامتحانات، ومنها البكالوريا، من دائرة الاسترجاع الآلي للمعلومات المحفوظة، إلى دائرة التفكير والتصرف واختيار الموارد المناسبة وتجنيدها لحل مشكل أو الإجابة عن إشكالية ليس شرطا أن تكون مألوفة".