وحدة في المجتمع المسن الصيني

24 يوليو 2021
وحيداً في متنزه ببكين (شيلدون كوبر/ Getty)
+ الخط -

تسانغ تشين، مسنّة صينية في العقد الثامن من العمر، تقيم وحدها في منزل صغير بالعاصمة بكين، منذ أن توفي زوجها قبل سبعة أعوام. يتردد عليها حفيدها الوحيد وانغ مرتين سنوياً فقط، بسبب انشغاله في إدارة مصنع للأثاث بمدينة فوشان (جنوب). 
تقول تسانغ لـ "العربي الجديد": اعتدت العيش وحيدة منذ سنوات. حاول حفيدي مرات أن يرسلني إلى دار للمسنين، لكنني رفضت، إذ أريد أن أموت في بيتي. ورغم أنه يزورني كلما أتيحت له فرصة، أشعر أنه يريد فقط أن يتأكد أنني ما زلت على قيد الحياة، وربما لو كنت أملك هاتفاً لاختصرت عليه عناء السفر".
وعن وسائل إدارتها شؤون واحتياجات حياتها اليومية، توضح أن جيرانها يجلبون لها الطعام ويطمئنون عليها يومياً، في وقت تحتفظ بقدرتها على الحركة وتنفيذ أمورها بمفردها، مثل غسل الثياب وتنظيف المنزل، والتنزه صباحاً مع كلبها في ساحة المجمّع السكني الذي تقيم فيه".
تسانغ، واحدة من حوالي مئتي مليون صيني يتجاوزون الـ 65 من العمر، ويشكلون نحو 14 في المائة من إجمالي عدد السكان المقدر بـ 1.4 مليار، علماً ان السلطات تتوقع أن ترتفع نسبة المسنين إلى 30 في المائة خلال العقود الثلاثة المقبلة.
وتشير تقديرات حكومية إلى أن أكثر من 40 في المائة من هؤلاء المسنين يعيشون بلا معيل، وأن نسبة 25 في المائة منهم لا يحظون برعاية أسرية، ما يجعل الشعور بالوحدة والعزلة قاسماً مشتركاً بينهم، وأحد أسباب مشاكلهم النفسية والصحية. 
ويرى مراقبون أن ارتفاع نسبة المسنين منطقي بسبب انحسار فئة الشباب المرتبط بالانخفاض الحاد في نسبة المواليد الجدد خلال العقود الماضية، في ظل التزام الصينيين بسياسات تحديد النسل التي منعت ولادة نصف مليار طفل خلال أربعة عقود.

قضايا وناس
التحديثات الحية

تكاليف باهظة
من جهته، يعيش بياو لينغ (79 عاماً) واقعاً مختلفاً بعدما لم يستطع الانضمام إلى زوجته يانغ (73 عاماً) في دار للمسنين بمدينة تيانجين، بسبب ارتفاع تكاليف الإقامة، في حين لا يغطي مرتبهما التقاعدي إلا مصاريف إقامة شخص واحد، لذا فضّل إرسال زوجته التي تعاني من شلل نصفي، وتحتاج إلى رعاية خاصة.
يقول بياو لـ "العربي الجديد": "نحتاج إلى دفع 19 ألف يوان شهرياً (حوالي 3 آلاف دولار) لسرير واحد. تعمل ابنتنا معلمة في مدينة أخرى، ولديها مسؤوليات تجاه زوجها وطفلتها الصغيرة التي ترعاها مدبّرة خاصة بمرتب غير قليل".
يضيف: "أشعر بمرارة كبيرة من المكوث وحدي في المنزل، لكنني مطمئن إلى أن زوجتي تتلقى رعاية جيدة، وهذا كافٍ بالنسبة لي. أجتمع مع العائلة مرة سنوياً حين تزورني ابنتي خلال عطلة رأس السنة، وأقضي وقتاً ممتعاً برفقة حفيدتي". 
وعن تطلعاته وأمنياته، يأمل بياو في "الالتفات إلى ظروف عيش كبار السن الذين يعانون وحدهم في الظل، ويدفعون ثمن سياسات حكومية وضعت الاقتصاد في المقدمة على حساب أي شيء آخر". 

مسنّ يشارك آخرين فرحة اللعب (فيرنون يوين/ Getty)
مسنّ يشارك آخرين فرحة اللعب (فيرنون يوين/ Getty)

يعزو الباحث في معهد تشانغ للدراسات الديموغرافية، يو لونغ، أزمة المسنين إلى سياسة الطفل الواحد التي طبقتها الصين في نهاية سبعينيات القرن العشرين. ويرى في حديثه لـ "العربي الجديد" أن "استمرار هذه السياسة طوال عقود قصرّت عدد أفراد الأسرة بثلاثة هم الأب والأم والابن. وموت الطفل الواحد أحياناً، أو مجرد انشغاله في تحصيله العلمي أو وظيفته بعد تخرجه، حتّم تعرّض الوالدين للوحدة والافتقار إلى رعاية أسرية".

عبء الرعاية
يشير نائب مدير مركز لرعاية كبار السن في مدينة شانتو، جاو مينغ، في حديثه لـ "العربي الجديد"، إلى حقيقة أن "القطاع الخاص يتحمل العبء الأكبر في استيعاب المسنين ورعايتهم، في وقت يجب أن تدعم الدولة هذا القطاع في شكل أكبر، لكن مؤسساتها غير قادرة على التعامل مع الكمّ الكبير ممن يحتاجون إلى رعاية". ويوضح أن القطاع الخاص "يملك قدرة استيعاب كبيرة تناهز 8 ملايين سرير. لكن تكاليف الرعاية مرتفعة جداً، ولا يستطيع الجميع تحملها. ورغم ذلك لا تنتهي قوائم الانتظار الطويلة أمام هذه المؤسسات". 
يضيف: "الأكيد أن الدولة تعتمد في شكل كبير على القطاع الخاص، بسبب قلّة المراكز الحكومية المتخصصة، وعدم توفرها غالباً في المناطق الحيوية. أما الفوارق بين القطاعين، فتتمثل في تطلع القطاع الخاص إلى تحقيق مكاسب مالية كبيرة، وهو ما يفسر سيطرة علامات تجارية بارزة على هذا النوع من الخدمات، أما القطاع الحكومي فيتطلع إلى تقديمها بالحد الأدنى. أما من يدفع الثمن في النهاية فهم كبار السن الذين يجب أن يوفوا تكاليف رعايتهم بأنفسهم، أو الانتظار فترة قد تصل إلى ثلاث سنوات من أجل الإفادة من الرعاية التي تقدمها مراكز حكومية بتكاليف رمزية".

وتفيد وزارة الشؤون المدنية بأن البلاد تحتضن أكثر من مئتي ألف دار للمسنين، توفر 30 سريراً لكل ألف مريض من كبار السن، علماً أن السلطات تتطلع إلى بلوغ طاقة استيعاب تتجاوز 40 سريراً لكل ألف مريض بحلول عام 2025.
وكانت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني أعلنت أنها ستعمل لتوسيع قطاع رعاية المسنين بالاعتماد على رأس المال الخاص. وكشفت حزمة إجراءات لتخفيف الضغط على الحكومة، شملت رفع سن التقاعد خمس سنوات، وإلزام الشباب توفير رعاية أسرية تحت ضغط فرض عقوبات تأديبية على المتخلفين. لكن مراقبين يرجحون تفاقم المشكلة مع تقدم سن السكان بصورة غير مسبوقة، علماً أن عدد المواليد الجدد تراجع إلى 12 مليون نسمة العام الماضي، وهو الأدنى منذ ستة عقود.

المساهمون