والدة الأسير أبو حميد: لو كنا نريد استجداء الاحتلال لما ناضلنا ولبقينا في منازلنا
رفضت الحاجّة لطيفة أبو حميد (أمّ يوسف)، والدة الأسير الفلسطيني المريض بالسرطان ناصر أبو حميد (50 عاماً)، فكرة استجداء قادة الاحتلال الإسرائيلي وطلب العفو من رئيس دولة الاحتلال.
وقالت لطيفة أبو حميد، في تصريح لـ"العربي الجديد": "لو كنا نريد استجداء الاحتلال لما ناضلنا، ولما ضحيّنا، ولبقينا في منازلنا".
وتوقّعت أبو حميد ردة فعل ابنها على مثل هذا المقترح، قائلة: "ناصر من نظارته يستطيع الإجابة على هذا الكلام"، متابعة: "لا يمكن أن نمدّ أيدينا للعدو القاتل المجرم، أبنائي لماذا اعتقلوا؟ لو كانوا يريدون استجداء الاحتلال لما ناضلوا، وناصر اعتقل مرتين سابقاً وهو طفل، وعاد للنضال، ولو كان يريد الجلوس في المنزل لتزوج وأصبح عنده أبناء، لكنه اشترى القضية وهو قوي رغم ألمه ووجعه".
وكان رئيس نادي الأسير الفلسطيني، قدورة فارس، كشف أمس الثلاثاء رفض الأسير المصاب بالسرطان ناصر أبو حميد مقترحاً من محاميه بتقديم طلب للإفراج عنه والعفو من رئيس دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وأكدت والدة أبو حميد، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن "مطلب العائلة بسيط جداً، أن يخرج يوماً واحداً من السجن وهو على قيد الحياة، أن يرى شعبه وأرضه ووطنه محرراً (..) بعدها يفعل الله ما يريد"، رافضة أن يستشهد في السجن ويوضع في الثلاجة، ويعاد لها بكيس، كما حصل مع ابنها الشهيد عبد المنعم الذي اغتاله الاحتلال عام 1994.
وحول وضعه الحالي بعد استلامه تقريراً يفيد بأن جسده لا يمكن أن يحتمل لأكثر من أيام؛ قالت أبو حميد: "إنه ومنذ أن استلم التقرير يظل نائماً طوال الوقت تقريباً، بسبب اعتماده على المسكنات، بعد أن تم إيقاف العلاج عنه، بعد انتشار السرطان وعدم احتمال جسده للجرعات".
وأشارت أبو حميد إلى أن شقيقه الأسير محمد يعمل على إيقاظه لكي يتناول طعامه، لكنها نقلت عن ابنها محمد أن ناصر يقوم بأداء صلواته ويمتلك معنويات عالية، رغم أن الاحتلال أعطاه التقرير الطبي بيده وهو يعلم وضعه الصحي تماماً.
وتحدثت أم يوسف بحرقة عن "غياب فعل حقيقي للإفراج عنه"، وكما قالت منذ عام (أي بعد اكتشاف المرض): "ناشدت كل العالم والرئيس الفلسطيني محمود عباس، دون أن يفعل أحد شيئاً، ودون حتى أن يتم إصدار تصاريح لزيارته"، متسائلة عن جدوى التنسيق الأمني، وداعية المسؤولين لاستصدار تصاريح والذهاب لزيارة ناصر.
وحول آخر زيارة حصلت قبل شهر، قالت والدة ناصر: "كان على كرسي متحرك، ويتنفس عبر أنبوب الأوكسجين، وكان مطلقاً لحيته وشعره، فسألته عن السبب، فأجاب لأن ذلك أجمل، لكنها علمت لاحقاً أن السبب الحقيقي، لأنه لا يريد أن يظهر مدى الضعف البادي على وجهه، قائلة: إن كل ما يظهر من ناصر هو عينيه وابتسامته".
وأرسل ناصر مع محاميه رسالة للعائلة بعد أن استلم التقرير الطبي الأخير الأسبوع الماضي، قائلاً: "إنه قوي، وإنه استلم التقرير الطبي دون أن يبدي أمام الاحتلال أي انطباع بالضعف".
وأطلقت نساء فلسطينيات من أهالي أسرى القدس، وناشطات؛ من داخل منزل أبو حميد اليوم الأربعاء، نداءً: "أطلقوا سراح أبنائنا الأسرى أحياء" خلال زيارة ظهر اليوم الأربعاء لمنزل أبو حميد في رام الله وسط الضفة الغربية.
وقالت نسيم شاهين، شقيقة الأسير المقدسي حسام شاهين، لـ"العربي الجديد": "إن هناك 600 أسير مريض في سجون الاحتلال، بينهم 23 شخصوا بالسرطان"، مشيرة إلى أن النداء طالب كافة المسؤولين السياسيين وممثلي الفصائل وقيادات المقاومة بتحمل مسؤوليتهم والعمل الفوري لإطلاق سراح الأسرى المرضى أحياء وعدم تركهم فريسة أهواء إدارة سجون الاحتلال، كما طالب بتكثيف الحراك من أجل الإفراج عن أبو حميد بشكل فوري، وتمكين والدته من احتضانه وتحقيق أبسط أمنياتها.
وولد الأسير ناصر أبو حميد في تاريخ الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول عام 1972 في مخيم النصيرات في غزة، بدأت مسيرته النضالية منذ الطفولة، إذ واجه الاعتقال لأول مرة وكان يبلغ من العمر 11 عاما ونصف، كما واجه رصاص الاحتلال وأُصيب بإصابات بالغة.
وتعرض للاعتقال الأول وذلك قبل انتفاضة عام 1987 وأمضى أربعة شهور، وأُعيد اعتقاله مجددًا وحكم عليه الاحتلال بالسّجن عامين ونصف، وأفرج عنه ليُعاد اعتقاله للمرة الثالثة عام 1990، وحكم عليه الاحتلال بالسّجن المؤبد، أمضى من حكمه أربع سنوات، حيث تم الإفراج عنه مع الإفراجات التي تمت في إطار المفاوضات، وأُعيد اعتقاله عام 1996 وأمضى ثلاث سنوات.
وإبان انتفاضة الأقصى، انخرط أبو حميد في مقاومة الاحتلال مجدداً، واُعتقل عام 2002، وحكم عليه الاحتلال بالسّجن المؤبد سبع مرات و(50) عاماً وما يزال في الأسر حتّى اليوم.
واجه الأسير أبو حميد ظروفاً صحية صعبة جرّاء الإصابات التي تعرض لها برصاص الاحتلال، حتّى ثبتت إصابته خلال العام الماضي بسرطان في الرئة، ومنذ ذلك الوقت يواجه رحلة جديدة في الأسر، أساسها جريمة الإهمال الطبي (القتل البطيء)، واليوم وصل المرض إلى مراحله الأخيرة. وبحسب تقرير طبي أخير، فإن ناصر في أيامه الأخيرة.
وإلى جانبه، أربعة أشقاء آخرين يقضون أحكاماً بالسّجن المؤبد، ثلاثة منهم اُعتقلوا معه إبان انتفاضة الأقصى، وهم: نصر، ومحمد، وشريف، ولهم شقيق خامس اُعتقل عام 2018 وهو إسلام، والذي يواجه كذلك حُكما بالسّجن المؤبد، و8 سنوات، وشقيق آخر شهيد وهو الشهيد عبد المنعم أبو حميد الذي ارتقى عام 1994.
وتعرضت والدتهم مرات عديدة للحرمان من زيارتهم، عدا عن التنكيل الذي لحق بالعائلة على مدار عقود مضت، كما أنهم فقدوا والدهم خلال سنوات أسرهم، وتعرض منزل العائلة للهدم خمس مرات وكان آخرها عام 2019.