هولندا تقدّم اعتذاراً رسمياً عن العبودية: جريمة ضدّ الإنسانية

19 ديسمبر 2022
رئيس الوزراء الهولندي: لا يسعنا إلا الاعتراف بالعبودية وإدانتها بأوضح العبارات (فرانس برس)
+ الخط -

قدّم رئيس الوزراء الهولندي مارك روته، اليوم الإثنين، في خطاب ألقاه في لاهاي اعتذاراً رسمياً باسم الحكومة عن الدور الذي أدّته بلاده في العبودية، مشدّداً على أنّ ذلك يُعَدّ من الجرائم التي تُرتكَب ضدّ الإنسانية.

وقال روته في خطابه: "اليوم، أقدّم اعتذارات باسم الحكومة الهولندية عمّا قامت به الدولة الهولندية في الماضي لجميع العبيد في كلّ أنحاء العالم الذين عانوا من هذا النشاط، ولبناتهم وأبنائهم ولكلّ أحفادهم". أضاف "لا يسعنا إلا الاعتراف بالعبودية وإدانتها بأوضح العبارات بصفتها جريمة ضد الإنسانية".

كان هذا الخطاب حول ضلوع هولندا في 250 عاماً من الاتّجار بالبشر في المستعمرات السابقة منتظَراً بفارغ الصبر. في الوقت نفسه، كان وزراء هولنديون حاضرين في سبع مستعمرات سابقة "لمناقشة" القضية مع مواطنيها. وقد يكون في ذلك محاولة للتخفيف من آثار الماضي الاستعماري.

أضاف روته: "لقد تمّ تحويل بشر إلى سلع. لقد تمّ الدوس على الكرامة الإنسانية بطريقة مروّعة"، قبل أن يقول "أعتذر" بالإنكليزية وبلغة سرانان (الكريول السورينامية) وبلغة بابيامينتو (الكريول في جزر الأنتيل الهولندية).

وأشادت رئيسة وزراء أروبا، وهي جزيرة صغيرة في جزر الأنتيل الهولندية تقع قبالة ساحل فنزويلا، بما عدّته "نقطة تحوّل في تاريخ مملكة" هولندا. ونقلت وكالة الأنباء الهولندية عن إيفلين فيفر كروس قولها "نرحّب دائماً بكلّ اعتذار صادق".

لكنّ رغبة الحكومة في الاعتذار والذي تسرّب خبرها إلى الصحافة الهولندية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أثارت جدالاً حاداً في هولندا وخارجها على مدى أسابيع. وقد أرادت المنظمات المختصة في بحث تاريخ العبودية وإرثها أن يُقدَّم الاعتذار في الأوّل من يوليو/ تموز، ذكرى انتهاء العبودية، وذلك في احتفال سنوي يُسمّى "كيتي كوتي" (كسر القيود) في سورينام.

من جهتها، كانت رئيسة وزراء جزيرة سانت مارتن في الكاريبي سيلفيريا جاكوبس قد صرّحت لوسائل إعلام هولندية، أوّل من أمس السبت، بأنّها لن تقبل اعتذار هولندا إذا قدّمته الإثنين. وعلّق روته على هذه المسألة، اليوم الإثنين، قائلاً إنه "لا يوجد وقت واحد مناسب للجميع، ولا كلمة واحدة مناسبة للجميع، ولا مكان واحد مناسب للجميع".

وقد ساهمت العبودية في تمويل "القرن الذهبي" الهولندي، وهي فترة ازدهار من خلال التجارة البحرية في القرنَين السادس عشر والسابع عشر. وقامت البلاد بالاتّجار بنحو 600 ألف أفريقي، خصوصاً نحو أميركا الجنوبية والكاريبي. وفي أوجّ إمبراطوريتها الاستعمارية، كانت للمقاطعات المتحدة المعروفة حالياً باسم هولندا، مستعمرات مثل سورينام وجزيرة كوراساو الكاريبية وجنوب أفريقيا وإندونيسيا حيث كان مقرّ شركة الهند الشرقية الهولندية في القرن السابع عشر.

وفي السنوات الأخيرة، بدأت هولندا النظر في إرث دورها في العبودية وتاريخها الاستعماري والذي من دونه لم تكن المدن الهولندية ومتاحفها الشهيرة لتصبح ما هي عليه اليوم.

ومع نشوء حركة "حياة السود مهمّة" في الولايات المتحدة الأميركية، تجدّد النقاش في هولندا حيث ما زالت العنصرية تطبع حياة مواطني المستعمرات السابقة. وسبق أن قدّمت مدن أمستردام وروتردام وأوترخت ولاهاي اعتذارات رسمية عن دورها في تجارة الرقيق.

وقد زار وزراء هولنديون، اليوم الإثنين جزر الكاريبي؛ بونير وسانت مارتن وأروبا وكوراساو وسابا وسانت يوستاش، بالإضافة إلى سورينام.

تجدر الإشارة إلى أنّ روته كان قد أبدى لفترة طويلة تحفّظات بشأن إصدار اعتذار رسمي، قائلاً في السابق إنّ عصر العبودية قديم جداً وإن من شأن الاعتذار أن يذكّي التوترات في بلد ما زال اليمين المتطرّف فيه قوياً، قبل أن يبدّل رأيه في نهاية المطاف. وأوضح اليوم الإثنين: "اعتقدت أنّ العبودية تاريخ بعيد عنّا. كنت مخطئاً، لأنّ قروناً من القهر والاستغلال تؤثّر على الحاضر، في الصور النمطية العنصرية والتمييز وعدم المساواة الاجتماعية". أضاف رئيس وزراء هولندا، حيث أيّد 38 في المائة فقط من السكان البالغين تقديم اعتذار رسمي وفق استطلاع رأي حديث، أنّه "في سبيل تجاوز ذلك، علينا مواجهة الماضي بصراحة وصدق".

وكانت العبودية قد أُلغيت رسمياً في سورينام والمستعمرات الهولندية الأخرى في الأوّل من يوليو/تموز من عام 1863، لكنّها لم تنتهِ فعلاً حتى عام 1873 بعد "فترة انتقالية" دامت عشر سنوات.

(فرانس برس)

المساهمون