هل تنطفئ منارة الشرق؟

04 ديسمبر 2022
انهيار معيشي عام لأهالي الطلاب في لبنان (أنور عمرو/ فرانس برس)
+ الخط -

رغم أن لبنان سبق المنطقة العربية لجهة تأسيس الجامعات الحديثة (الأميركية تأسست عام 1866 واليسوعية عام 1875)، إلا أن هذا القطاع يبحث اليوم عن طريقة للخروج من مأزق الانهيار الذي يهدده. هنا لا نتحدث عن مؤسسات التعليم العالي الخاصة، بل أيضاً عن الجامعة الرسمية الوحيدة، وهي الجامعة اللبنانية التي تستقطب حصة من الطلاب تصل إلى نحو 30 في المائة من أعدادهم.
نبدأ بالحديث عن الأخيرة باعتبارها الجامعة الرسمية الوحيدة ذات الرسوم المحدودة والمتاحة لسائر فئات المجتمع، والتي تملك كليات وفروعاً منتشرة في مختلف المناطق اللبنانية، وتضم أكبر عدد من الطلاب والأساتذة والإداريين. هذه الجامعة تعاني من المحاصصة السياسية وفقدان المقدرات المالية التشغيلية الأولية. فقد تهاوت موازنتها عما كانت عليه، وباتت الخدمات والمختبرات والمكتبات في العديد من كلياتها متوقفة أو شبه متوقفة عملياً. والأدهى أن هيئتها التعليمية تشهد هجرة ونزوحاً هائلين. وتوقف الأساتذة المتعاقدون عن التدريس منذ أشهر مطالبين بحقهم القانوني في انتقالهم إلى التفرغ في ملاكها التعليمي، بديلاً لزملائهم الذين يتقاعدون سنوياً، كما يطالبون بقبض أجورهم شهرياً بدلاً من قبضها بمعدل مرة واحدة كل عامين تقريباً (كما هو الواقع في الوقت الحالي). وينطبق وضع مشابه على جهازها الإداري الذي هو في معظمه لا يتمتع بأي ضمانات صحية أو اجتماعية. وتعتمد الجامعة على كادر بات معظمه من المتعاقدين الذين يحصلون على أجور رمزية لقاء كل ساعة يدرسونها، وهم محرومون من الضمانات وبدل المواصلات وسواها من تقديمات. ولم ينجح الإضراب الذي استطال في زحزحة الحكومة عن متابعة سياسة تجاهل قضيتهم.
بالانتقال إلى القطاع الخاص، تبحث مجالس هيئاتها الإدارية عن حلول لمعضلة انهيار قيمة النقد بما يضمن استمرار استقطاب الطلاب وبالتالي البقاء على قيد الحياة. وتواجه أي محاولة لدولرة الأقساط فوراً بإضرابات كونها تعني خروج معظم الطلاب من متابعة دراستهم، نظراً إلى أوضاع ذويهم المالية المتردية. وتتجه بعض الجامعات إلى تقسيم الأقساط بين الدولار والليرة اللبنانية. والنداءات التي أطلقتها للمسؤولين لم تجد آذاناً صاغية، وعليه تحاول كل منها "قلع شوكها بأظافرها". 

موقف
التحديثات الحية

ووصل الأمر بالعديد منها إلى التفكير جدياً بالخروج من لبنان نحو مصر ودول الخليج أو إلى قبرص، بعدما نزفت هيئاتها التعليمية وتقلص عديد طلابها من اللبنانيين، كما لم تعد مقصداً لطلاب عرب وغيرهم من المحيط كما كان يحدث قبل سنوات وعقود. ويصف الأكاديميون الظروف التي تمر بها الجامعات بأنها الأقسى مما مر على لبنان من حروب وفوضى خلال نصف القرن الماضي، إذ لم تبلغ أي منها ما وصلت إليه الآن من تهديد وجودي لتوفير مقومات الحد الأدنى لبقائها لتنهض بمسؤولياتها ومهامها.
ومعه تصبح "منارة" الشرق التي ساهمت بتكوين أكبر نسبة من النخب العلمية والثقافية والسياسية على صعيد المنطقة مهددة بالانطفاء، وهي تجد نفسها عاجزة عن مواصلة القيام بمهامها التعليمية والبحثية البديهية. ومثل هذا الوضع ينعكس بالضرورة على المؤسسات الصحية التي تتبع لهذه الجامعات، وهي الأهم في لبنان على صعيدي الكفاءات البشرية والتجهيزات التقنية. فالقانون يلزم كل مؤسسة تعليم عالٍ بأن تمتلك عقوداً أو بإقامة مستشفى خاص بها ذي مواصفات أكاديمية عالية، بينما يرحل أطباؤها وكادرها الفني بالعشرات والمئات عن البلاد تباعاً.
(باحث وأكاديمي)