يقضي سكان مدينة ياكوتسك، عاصمة جمهورية ياقوتيا في أقصى شرق روسيا الواقعة ضمن منطقة سيبيريا، فصل الشتاء في درجات حرارة تنخفض إلى 40 تحت الصفر. وتعد هذه المدينة الأكثر برودة في العالم، وخصوصاً خلال شهر يناير/ كانون الثاني، حيث يتجمد الهواء في الخارج من شدة البرودة.
يعود تاريخ اكتشاف ياكوتسك إلى عام 1632 على أيدي مستكشفين روس، ولم تكن المدينة معروفة على نطاق واسع في ظل غياب البنية التحتية. في الوقت الحاضر، باتت مدينة متكاملة تضم العددي من من المباني الشاهقة والشقق المبنية على الطراز الروسي.
تختلف المدينة عن غيرها في طريقة تشييد المباني؛ فعلى الرغم من أن شكلها الخارجي يشبه بقية المباني في مختلف الدول حول العالم، إلا أن القاعدة التي شيد البناء عليها مكونة من طبقة من التربة المجمدة، يبلغ عمقها مئات الأمتار. كما أن البناء يأخذ في الاعتبار درجات الحرارة المنخفضة، ومعظم المنازل من الداخل مصنوعة من ألواح خرسانية وتقف على ركائز متينة لتهوئة الجانب السفلي للمبنى ومنع تسخين التربة الصقيعية.
وتتميز جمهورية ياقوتيا بطبيعتها ومواردها الخلابة، وتبلغ مساحتها ثلاثة ملايين كيلومتر مربع، ويختلف التوقيت فيها من منطقة إلى أخرى، فإذا انتقلت من الغرب إلى الشرق، يتعين عليك تقريب الساعة ثلاث ساعات. وهي تضم أكثر من 700 ألف نهر و800 ألف بحيرة، مما أكسبها شهرة واسعة لتكون رئة كوكب الأرض، مع الإشارة إلى أن أنهارها وبحيراتها متجمدة طوال أيام العام.
كما تضم الجمهورية مناطق جاذبة للسياح خلال فصل الصيف، حين ترتفع درجات الحرارة. ففي أقصى شمال ياقوتيا، وتحديداً على مقربة من نهر لينا، تقع واحدة من أكبر المحميات الطبيعية في جميع أنحاء روسيا، وهي محمية "أوست لينسكي" والتي تتميز بحيواناتها الفريدة، وأبرزها النورس الوردي، ولوقت طويل، لم يؤمن أحد بوجود تلك النوارس، إلى أن أعلن المستكشف البريطاني السير جيمس كلارك روس في عام 1823 رؤيتها. منذ ذلك الحين، حلم كثير من المستكشفين القطبيين برؤية هذه المعجزة الحية، بحسب موقع "Artic Russia".
وعادة ما يحتفل السكان برأس السنة الجديدة في 21 يونيو/ حزيران خلال عملية الانقلاب الصيفي، لتعم الاحتفالات الشوارع العامة والساحات، ويرتدي الناس ثياباً تقليدية، الأمر الذي يجذب السياح من كل أنحاء العالم.
على الرغم من الاعتقاد السائد بأن المدينة مهجورة بسبب قساوة المناخ، إلا أن إحصائية أعدت عام 2021، تشير إلى أن عدد سكانها بلغ ما يقرب من 355 ألف مواطن، فيما يبلغ عدد سكان الجمهورية نحو مليون مواطن. ووجود هذا العدد في منطقة متطرفة مناخياً يرتبط بموارد طبيعية واقتصادية قوية، وتظهر الدراسات أن ازدهار قطاع التعدين ساهم في بقاء السكان رغم الصقيع.
ويشير موقع الجامعة الفيدرالية الشمالية الشرقية NEFU إلى أن هذه المنطقة تعد من أغنى مناطق العالم لناحية الموارد الطبيعية، وتبلغ حصة الجمهورية من إجمالي المعادن والموارد نحو 82 في المائة من الألماس، و17 في المائة من الذهب، و61 في المائة من اليورانيوم، بالإضافة إلى معادن أخرى. ويعمل السكان في قطاعات عدة، وخصوصاً الصناعة والخدمات والتجارة نظراً لوجود موارد طبيعية ومعدنية هامة.
وتفرض الظروف المناخية على الناس عادات معينة. ففي فصل الشتاء، يرتدي السكان العديد من القبعات والقفازات حتى لا تتجمد أطرافهم. وحين تنخفض درجات الحرارة إلى ما دون الأربعين درجة مئوية، قد يشعر السكان بأن رموشهم تتجمد بسبب الصقيع. عادة ما تكون ملابسهم مصنوعة من فرو الحيوانات، بما في ذلك حيوان الرنة، ويضعون الأوشحة الصوفية دائماً.
وعلى غرار المجموعات العرقية الأخرى في أقصى شمال الكرة الأرضية، يأكل السكان أطعمة خاصة بهم، وأبرزها ستروجانينا، وهي عبارة عن قطع رقيقة من اللحم النيء (غالباً لحم الحصان) أو السمك المتبل بالأعشاب، وتباع في الأسواق الشعبية من دون الحاجة إلى تبريدها للمحافظة على جودتها، كما أنهم يشربون دماً طازجاً ويستخدمون دم البقر أو الحصان لإعداد نقانق الدم، وتعرف باسم "خان"، وذلك بحسب تقرير صادر عن موقع Languages of the world المتخصص بطبائع البشر والشعوب.
يفيد موقع "لايف سينيس" العلمي بأنه رغم أن ياكوتسك هي أبرد مدينة في العالم، إلا أن هناك أماكن أخرى أقل كثافة سكانية ومأهولة بشكل دائم وأكثر برودة مثل بلدة أويماكون الروسية التي يبلغ عدد سكانها حوالي 500 شخص، وسجلت 71.2 درجة مئوية تحت الصفر في عام 1924.