تحدّت هدى خطّاب تفشّي كورونا وتقاليد المجتمع في قطاع غزة وانتقادات الناس وافتتحت محلاً إلى جانب محال أخرى يديرها رجال
في شارع النصر وسط مدينة غزة، افتتحت هدى خطاب (35 عاماً) محلاً للهواتف والأكسسوارات والصيانة، متجاوزة كل الانتقادات نتيجة لتفشي فيروس كورونا من جهة، ولكونها امرأة تدير محلاً من جهة أخرى. مشهد لا يعدّ مألوفاً في قطاع غزة، حيث تقف امرأة وسط محال جميع العاملين فيها رجال. خطاب أم لثلاثة أطفال تُقيم في قطاع غزة منذ عام 2016. ولدت في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في سورية لأب فلسطيني وأم سورية. تعود أصول عائلتها إلى قرية عين الزيتون قضاء مدينة صفد الفلسطينية المحتلة عام 1948، واعتادت التنقل بين سورية وغزة بعد عام 1994 (أي بعد تكون السلطة الوطنية الفلسطينية بموجب اتفاق أوسلو)، وقررت الاستقرار فيها عام 2016 نتيجة لاندلاع الحرب في سورية.
وتقول خطاب لـ "العربي الجديد": "في غزة أعيش وحدي مع والدتي. أما بقية أفراد عائلتي، فإما بقوا في سورية أو هاجروا إلى أوروبا. حتى إن شقيقي وشقيقتي تركا سورية بسبب الحرب وهاجرا إلى هولندا. كان يجب أن أكافح وأنشئ مشروعاً لمساندة أبنائي عندما يكبرون. حاولت التركيز على مشروع يؤمن لي الاستدامة ويلبي احتياجات الناس".
ترفض الهجرة، رغم أن الكثير من أقاربها نصحوها بذلك، لكونها لن تستطيع العيش في سورية التي تشهد حرباً مستمرة، أو في غزة بسبب التحديات المعيشية والأمنية وطبيعة المجتمع، خصوصاً كأم، لكنها ترى أن العادات والتقاليد التي تطغى على المجتمع الغزي لا تحرم المرأة حقوقها، بل هي تتمتع بحقوقها بشكل كامل. عملت في مهن تُعَدّ حكراً على الرجال داخل قطاع غزة، بالإضافة إلى التجارة والتسويق لدى إحدى الشركات الغذائية.
وترى خطاب أنّ المشاريع التكنولوجية والتجارية ناجحة في غزة، بعدما أعدّت دراسة جدوى للسوق، ووجدت أن كل المنازل الغزية تعتمد على الهواتف الذكية رغم كل الظروف الصعبة، ورغبة في الهرب من الأحداث التي تحيط بهم، بالإضافة إلى عدم وجود وسائل ترفيهية بديلة أو أماكن تنزه والعيش تحت الحصار.
وافتتحت منذ شهر معرضها "الهدى للاتصالات والخدمات الإلكترونية"، رغم تعرضها لانتقادات من كثيرين، لكونها أقدمت على الخطوة في ظل أزمة جائحة كورونا، إلى جانب الظروف الاقتصادية الصعبة. وتقول: "الأزمات لا تلغي احتياجات الناس. لذلك، تعمل العديد من المؤسسات، وحتى الأفراد، على تلبية احتياجات الناس مهما ساءت الظروف". تضيف: "ليس لدي أقارب يمكنني الاعتماد عليهم. حتى إن الظروف الحالية زادت الأعباء على المؤسسات، وبالتالي قل الدعم. تعرّضت لانتقادات كثيرة لأني امرأة أقحمت نفسها في مهنة غالبية العاملين فيها رجال. لكن لدي الجرأة لأفتتح ورشة لإصلاح السيارات، فلا عيب في العمل".
وتُلاحظ أنّ الكثير من النساء لا يشعرن بالأمان لإدارة المشاريع في قطاع غزة، بسبب غياب الثقة من قبل عائلاتهن، بالإضافة إلى اعتبار المشاريع المخالطة للرجال مهناً غير مرغوبة للنساء في غزة، واقتصار بعض الأعمال مثل التعليم والمهن الطبية وبعض المهن الأخرى على النساء. وتلفت إلى أنه سبق أن افتتحت محلاً لتزيين الشعر للنساء في غزة، ونجحت في عملها وكانت تستقطب الكثير من الزبونات، وأصبحت معروفة لدى كثيرات، لكنها توقفت نتيجة لظروف صحية، وعملت في التجارة والتسويق لدى شركات محلية.
وعلى الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة، تشير إلى أنها استطاعت تحقيق نجاح نسبي في عملها، وإن كانت لا تخفي تأثير العادات والتقاليد التي تحدّ من دور المرأة في المشاركة الاجتماعية وسوق العمل، في بداية استقرارها في غزة.
وتُلاحظ خطاب تقييد حرية الفتيات في غزة، خصوصاً في ما يتعلق بالاختيار أو في القرارات المصيرية. وترى أنهن لا يختلفن عن كثيرات في الوطن العربي، لكنها تتطلع إلى التغيير وأن تتمكن الفتيات والنساء من اختيار تخصصاتهن والمهن التي يرغبنها، وخصوصاً أن الكثيرات منهن مبدعات، إلا أنهن يصطدمن بقلة فرص العمل، والنظرة السلبية إلى المرأة العاملة في مهن فيها مخالطة. وتقول: "لا يهمني ما يقوله الناس والمجتمع. أستفيد من بعض الانتقادات لتعديل بعض التفاصيل المتعلقة بسلوكي، فيما تدفعني الإيجابية للمتابعة". وتتمنّى أن تجد نساء غزة يشاركن الرجال المهن ويتنافسن معهم، لأنّ هناك مهناً تتقنها المرأة أفضل من الرجل. وتختم: "أطمح إلى أن أفتتح مشاريع أخرى تعمل فيها فتيات ونساء أيضاً".