يبدو أن مشكلة نقص عدد المعلمين في مدارس ليبيا تتركز أكثر في القرى النائية حالياً. ففي منطقة تهالة (جنوب غرب) يضطر أولياء الأمور إلى دفع رواتب المعلمين، بحسب ما يقول مسؤولو بلديتها، بسبب العجز في الكادر التعليمي الذي تعاني منه البلدة الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها 3000. أما في بلدة بنت بيه فيُضطر سعيد التهامي وزوجته إلى تبادل تدريس أولادهما رغم أنهم يتوجهون إلى المدرسة يومياً.
يقول التهامي لـ"العربي الجديد": "أوصل أولادي يومياً إلى مدرستهم التي تقع في مكان بعيد، لكنهم لا يتلقون في هذه المدرسة أكثر من نصف معدل الحصص اليومية، بسبب النقص الحاد في عدد معلمي مواد العلوم والرياضيات واللغة الإنكليزية. وقد أستطيع مع زوجتي تعويض بعض الدروس العلمية في البيت، لكننا نعجز عن فعل ذلك في دروس اللغة الإنكليزية، ونسأل عن حال أولياء الأمور الذين لا يستطيعون تدريس أولادهم في البيت بسبب عدم معرفتهم بالمواد العلمية، وعدم امتلاك الأموال لإرسال أولادهم إلى مدارس خاصة".
وبعدما ناقشوا موضوع دفع أولياء الأمور رواتب المعلمين في تهالة، درس التهامي وأولياء أمور آخرون في ليبيا اعتماد الطريقة ذاتها في منطقتهم، ولو مؤقتاً. وهم يحاولون حالياً إقناع باقي أولياء الأمور بتحصيل أموال للبحث عن معلمين حتى تنفيذ وعود وزارة التعليم في طرابلس بسد العجز في مدرسة المنطقة.
وقبل ثلاثة أشهر، كشف رئيس حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، عبد الحميد الدبيبة، عزم حكومته على سد العجز في عدد المعلمين عبر فتح الباب أمام أجراء تعيينات جديدة. واشترط أن يحصل ذلك من خلال البلديات التي يجب أن تحدد التخصصات الشاغرة قبل بداية العام الدراسي، مع تفعيل مصلحة التفتيش التربوي. لكن هذه الوعود لم تتحقق، على الأقل خارج المدن الكبيرة والبعيدة عن التغطيات الإعلامية. وإلى تهالة وبنت بيه، يوجد نقص حاد في تخصصات عدة في مناطق الفياصلة والشياب والقنافيد.
يقول المعلم في منطقة الفياصلة التابعة لبلدية الرحيبات بجبل نفوسه، جلال الفيصلي، لـ"العربي الجديد": "نحاول كمعلمين سد العجز في بعض التخصصات، فيتولّى معلم لغة عربية مثلاً تدريس مادة العلوم، في حين يجلب أولياء أمور معلمين خصوصيين لأبنائهم أو ينقلونهم إلى وسط المدينة الذي يبعد 15 كيلومتراً، بينما يبقى تلاميذ كثيرون من دون حصص مدرسية في بعض المواد".
يقول الموجه التربوي المتقاعد علي شادي: "ألغيت مادة اللغة الإنكليزية تنفيذاً لتوجهات أصدرها النظام السابق، ما أنتج جيلاً من معلمي هذه المادة لا يتقنون اللغة، فكيف يمكن أن ينقل هؤلاء إلى التلاميذ معرفة لا يملكونها؟". ويكشف شادي لـ"العربي الجديد" أن بعض المدارس تلجأ إلى تمرير التلاميذ إلى المراحل الدراسية اللاحقة من دون أي محصول معرفي في مواد عدة، وهو ما يصفه بأنه "حلّ انهزامي وغير مجدٍ يحدث في ليبيا منذ عقدين، وزادت وتيرته ووضوحه أخيراً".
على صعيد آخر، يؤكد مسؤول في لجنة لمراقبة التعليم في بلدية حي الأندلس لـ"العربي الجديد" أن "البلدية تلقت تعليمات من وزارة التعليم بإحالة فائض المعلمين إلى المدارس، وذلك بإشراف الوزارة نفسها والمراقبين الذين يحددون احتياجات المدارس، لكن تنفيذ القرار أمر مختلف".
ويعتبر التعليم المهنة الأولى في ليبيا، حيث يناهز عدد المعلمين والإداريين نحو 650 ألفاً، بحسب بيانات رسمية حكومية سابقة، أي بواقع معلم لكل 12 تلميذاً. ويشير المسؤول نفسه إلى أن "مدارس كثيرة تملك فائضاً من المعلمين، خاصة داخل المدن، كما يعمل معلمون في مدارس لا تدرس تخصصاتهم، وهذه هي الفئات التي يجب إعادة تصنيفها لسد العجز".
ويتحدث عن "تحايل بعض المدارس على القانون لتجاوز تعليمات الوزارة، وصولاً الى تغيير بعض تخصصات المعلمين على الورق من أجل ضمان استمرار وجودهم في المدرسة. ويحصل ذلك عادة من خلال العلاقات الشخصية بين المعلم والإدارة". كما يلفت إلى "تلكؤ معلمين كثيرين عن أداء مهماتهم حتى بعد زيادة رواتبهم أكثر من الضعف عام 2021. وأبدى أولياء أمور كثيرون استياءهم من تكاسل المعلمين عبر شكاوى قدموها لمراقبي التعليم".