يعاني طلاب ليبيا من أزمات متلاحقة تؤثر سلباً على سير العملية التعليمية، في حين يشتكي مسؤولو البلديات وأولياء الأمور من العجز الحكومي عن حلحلة تلك الأزمات، وأبرزها النقص الكبير في أعداد المعلمين المتخصصين في كثير من المواد الدراسية.
دخل طلاب المراحل الأساسية الفصل الثاني من العام الحالي منذ مطلع فبراير/ شباط الماضي، ولازالت العديد من المدارس تشكو من نقص المعلمين، لكن تصريحات مسؤولين في بلدية ربيانة، في أقصى الجنوب الشرقي، كان لها أصداء واسعة، إذ كشف مدير مكتب عميد بلدية ربيانة، يوسف حمدان، أن أكثر من 90 في المائة من الطلبة لا يدرسون بسبب العجز القائم في أعداد المعلمين، مؤكداً في تصريحات منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي ، أن "البلدية بها 9 مدارس توفر التعليم الأساسي والثانوي، لكن أولياء الأمور قاموا باللجوء إلى الاتفاق مع معلمين من خارج المنطقة للتدريس بمدارس البلدية بسبب النقص الحاد، وبات عددهم حالياً 25 معلماً، وأولياء أمور الطلبة هم من يدفعون رواتبهم".
ويؤكد محفظ القرآن الكريم، عبد السلام أبوحجر، أنه يتنقل بين أكثر من منطقة في الجنوب الليبي لتحفيظ الأطفال نظراً لأن العديد من المدارس تعاني من أزمة واضحة في أعداد المعلمين، موضحاً لـ"العربي الجديد": "أنا شاهد على أن العديد من المدارس يقوم فيها معلم واحد بتدريس أكثر من مادة لتغطية النقص القائم، وأحياناً يدرس المعلم مواد ليس متخصصاً فيها لأن البديل هو بقاء الطلاب من دون دراسة، لكن بعض المواد مثل اللغات الأجنبية لا يمكن سد النقص فيها بمدرسين من ذوي التخصصات الأخرى، وبالتالي يمر العام الدراسي كاملاً من دون أن يدرس الطلاب بعض المواد".
ويشير أبوحجر إلى أن "المناطق النائية هي الأكثر معاناة، وفي بلدية ايسين (جنوب غرب) يحتاج المعلم يومياً إلى الانتقال مسافة تزيد عن 20 كيلومتراً للوصول إلى المدرسة، وعلاوة على متاعب التنقل اليومي، فإنه أيضاً يحتاج إلى الوقود، بينما تعاني المنطقة شحاً، ما يضطر الأهالي في بعض الفترات إلى جمع تبرعات لدفع تكلفة وقود حافلة تقل المعلمين المتطوعين من أقرب مدينة إلى المنطقة حتى تستمر الدراسة".
ويتابع: "تطوعت مرات عدة لتدريس مادتي التربية الإسلامية واللغة العربية في عدد من المدارس بطلب من أهالي المناطق التي عملت محفظاً في مساجدها، وفي الأغلب أعمل من دون مقابل".
وسمحت وزارة التعليم في الحكومات الليبية المتعاقبة لمكاتب التعليم في البلديات بالتعاقد مع معلمين لسد النقص، لكن أكثرهم لا يكمل مهمته بسبب عدم انتظام صرف الرواتب، ويقول معاذ غرودة، وهو أحد المعلمين المتعاقدين: "أعمل بعقد مع وزارة التعليم، ومنذ أكثر من سنة لم أحصل على راتبي، وأعمل حالياً متطوعاً، لكن الكثير من معلمي العقود أرباب أسر، ولا يمكنهم الاستمرار في العمل من دون رواتب، ولذا يتوقفون عن التدريس".
وفي منتصف يناير الماضي، عقدت وزارة التعليم في طرابلس اجتماعاً لبحث إمكانية تغطية النقص في معلمي بعض مناطق الجنوب، وأقرت صرف مستحقات معلمي العقود في بلديتي غات والبركت.
ويعلق غرودة قائلاً لـ"العربي الجديد": "تلك الوعود الحكومية لا تتحقق عادة، وإن تحققت تكون عبر صرف رواتب أشهر ماضية، ثم تتوقف الرواتب مجدداً، ووزارة التعليم لا تمتلك خططاً أو برامج مدروسة، وتقوم بإقالة بعض المعلمين من دون النظر في كيفية سد الفراغ الذي سيتركه هؤلاء".
من جانبه، يستنكر مصباح الطاهر، هذه الوعود الحكومية، مطالباً بضرورة إيجاد حلول حتى لا يضيع مستقبل أولاده الذين يضطر لتدريسهم في المدارس الخاصة بكلفة تفوق دخله الشهري المتواضع، ويقول لـ"العربي الجديد": "سبب العجز القائم هو عدم حصول المعلم على راتبه من المدارس الحكومية، ولذا لا تعاني المدارس الخاصة من عجز المعلمين. سوء الإدارة واضح في البلديات والمناطق، وبعضهم يسهل وصول الكتاب المدرسي الحكومي إلى المدارس الخاصة، وعلى السلطات محاسبة مسؤولي البلديات، وكذلك صرف رواتب معلمي العقود، والبحث عن حلول جدية حتى لا تتوقف المدارس. قبل سنوات كان أطفالي في مدرسة حكومية، وكانوا يمضون اليوم الدراسي كاملاً ليدرسوا حصة أو حصتين بسبب نقص المدرسين".
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قالت البعثة الأممية لدى ليبيا، إن الطلاب يواجهون صعوبات في إكمال دراستهم بسبب نقص التجهيزات، وإضرابات المعلمين، والمناهج القديمة، فضلاً عن تكرار انقطاع التيار الكهربائي، مطالبة السلطات بضرورة حل تلك المشكلات.