نفايات الخرطوم... أزمة متفاقمة تحاصر السودانيين

11 يوليو 2021
لا بدّ من وضع خطة متكاملة لرفع النفايات (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -

منذ سنوات طويلة، تواجه العاصمة السودانية أزمة نفايات، إذ تتكدّس المخلّفات في شوارع الخرطوم الرئيسية كما الفرعية وكذلك في أسواقها الكبيرة كما الصغيرة. لكنّ الأزمة تفاقمت في الأشهر الأخيرة وهي مرشّحة لتفاقم أكبر، خصوصاً مع فصل الخريف الذي بدأ في البلاد في شهر يونيو/ حزيران الماضي.
نجلاء محي الدين، من سكان حيّ الأمراء في الخرطوم، تشتكي من إقامة مكبّ كبير للنفايات أمام منزلها يرمي فيه الأهالي مخلفاتهم من بقايا طعام وشراب وأكياس بلاستيكية وقوارير مياه وغيرها، فتنبعث منه رائحة كريهة تتزايد عند لجوء بعض الأشخاص إلى حرقها. تضيف محي الدين لـ"العربي الجديد" أنّ "جحافل من الذباب والبعوض تعيش بين أكوام القمامة، إلى جانب الحيوانات الضالة من قطط وكلاب. وهذا المكبّ تسبّب بأضرار بيئية كبيرة في الحيّ ونشر الأمراض بين سكانه". وتشير إلى أنّ "والدتي تترك المنزل في مرّات كثيرة، بسبب هذا المكبّ وتذهب لتقضي أياماً في منزل أخي". وتكشف محي الدين أنّ "أسابيع قد تمرّ من دون أن يُفرَّغ المكبّ ونقله بواسطة الآليات الخاصة إلى المكبّات الوسيطة والرئيسة"، لافتة إلى أنّه "عُثر على جثة فيه مؤخراً". أمّا الحلّ بالنسبة إليها، فيكمن في "إلغاء مثل هذا النوع من المكبّات والعودة إلى نظام جمع النفايات يومياً وفي وقت محدد، وذلك مباشرة من السكان". يُذكر أنّ شكوى محي الدين لا تختلف عن الشكاوى المسجّلة في معظم أحياء الخرطوم التي تئنّ من تراكم النفايات التي صارت مظهراً من مظاهر العاصمة، في حين يلجأ إليها مشرّدون للحصول على غذائهم منها.
وقد تسبّبت تلك النفايات في تلوّث بيئي، لا سيّما تلوّث مياه الشرب في بعض المناطق. ويفيد تقرير يتناول وضع البيئة والتوقعات البيئية في السودان لعام 2020، بأنّ أزمة النفايات كانت وما زالت تؤدّي إلى كوارث على مستوى العاصمة والولايات، مشيراً إلى أنواع مختلفة من النفايات مثل الصلبة من بلاستيكية وطبية بالإضافة إلى تلك الصناعية بأشكالها، إلى جانب مياه الصرف الصحي التي تُعَدّ من المشاكل البيئية المزمنة الأشدّ خطورة. يأتي ذلك مع محدودية في مرافق التخلّص من النفايات، وضعف إنفاذ القوانين، ونقص القدرات المؤسسية للتعامل مع النفايات الصلبة، وعدم مواكبة مرافق الصرف الصحي ومياه المجاري والمياه المستعملة لنموّ المستوطنات. ويشدّد التقرير على أنّه سوف يكون لذلك تأثير متزايد على البيئة، ليس في الخرطوم وحدها إنّما في كلّ المناطق الحضرية الأخرى.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

يرى الخبير المتخصص في شؤون البيئة، محمد أحمد الفيلابي، أنّ "النفايات في الخرطوم باتت لا تُطاق" مبدياً أسفه "لما وصلت إليه الحال بعدما كانت الخرطوم من أجمل العواصم الأفريقية والعربية في ستينيات القرن الماضي". ويحمّل الفيلابي المسؤولية في ذلك إلى "عملية ترييف للخرطوم حدثت في السنوات الماضية"، مبيناً أنّ "الذين انتقلوا من الريف إلى العاصمة لا يملكون أيّ ثقافة بيئية، وقد جاؤوا إلى المدينة من دون أيّ مؤهلات". كذلك يحمّلها لـ"الحكومات المتعاقبة التي تتلكأ في التعاطي مع النفايات". ويوضح الفيلابي لـ"العربي الجديد" أنّ "أكبر آثار التدهور البيئي الحاصل في العاصمة، هو أثر اللامبالاة التي يتعامل بها الجميع والتصالح مع النفايات"، مشيراً إلى أنّه "سوف يكون للأمر انعكاسات نفسية واجتماعية خطرة. وبعد ذلك، تأتي آثار الأمراض الخطرة خصوصاً الصدرية منها". ويؤكد الفيلابي أنّ "الحلّ يكمن في أن تتشارك الحكومة والمواطنين المسؤولية، وإرجاع نظام البلديات بمهامها المحددة في إصحاح البيئة. وفوق هذا وذاك، تفعيل المجموعات الشبابية وسنّ القوانين الرادعة، وتقليص حجم النفايات عموماً، وإجبار مؤسسات رسمية كثيرة بما فيها الجيش والشرطة والأمن والدعم السريع وقوات الحركات المسلحة، بأن يكون لها دور في النظافة. يُضاف إلى ذلك إطلاق حملة توعية واسعة تشارك فيها كل الجهات، وتركّز على الأجيال الناشئة من الروضة والأساس، لتعليمها السلوك البيئي السليم". ويطالب الفيلابي بـ"زيادة الإنفاق الحكومي على البيئة، وتغيير النظرة السلبية تجاه الشركات العاملة في مجال جمع النفايات، كما إقناع الأخيرة بأنّ المجال ليس للربح فقط".

مياه صرف صحي في الخرطوم في السودان (أوزغيه إليف كيزيل/ الأناضول)
مياه الصرف الصحي من المخلفات الأشدّ خطورة (أوزغيه إليف كيزيل/ الأناضول)

ووفقاً لتقرير أعدته هيئة النظافة في حكومة ولاية الخرطوم، وحصلت عليه "العربي الجديد"، فإنّ الخرطوم تنتج نفايات تصل إلى 3229 طناً في اليوم، ما يجعلها عرضة لعلامات سيئة في القياس الأساسي لاحتمالات الإصابة بالأمراض المرتبطة بالمخاطر البيئية. ويُقدّر معدّل ما يتخلص منه الشخص الواحد من نفايات في اليوم بنحو 0.42 كيلوغرام. ويشير التقرير إلى أنّ عدد الآليات المخصصة لأعمال النظافة يصل إلى 535ُ آلية، لا تعمل منها إلا 314 آلية، في حين تعرّض عدد منها للسرقة وتحوّلت أخرى إلى مجرّد خردة. ويقدر التقرير قيمة الأضرار التي لحقت بآليات النظافة بنحو 50 مليون دولار أميركي، مع ترهّل كبير في هيئات النظافة بواقع موظف واحد مقابل عاملَين مؤقّتَين.

عامل نظافة في الخرطوم في السودان (فرانس برس)
تواجه أعمال النظافة في الخرطوم مصاعب جمّة (فرانس برس)

وتواجه أعمال النظافة في الخرطوم مصاعب جمّة، بحسب ما أورده التقرير ذاته، بسبب القرارات المتساهلة وكذلك قيام شركات وجماعات منظمة بالعمل بدأب على الاستفادة من أوضاع البيئة في العاصمة، بالإضافة إلى تعاقد الحكومة السابقة مع ثلاث شركات بعقود معيبة. يُذكر أنّ تلك الشركات توقّفت لاحقاً عن العمل، بعدما طالبت بمبالغ كبيرة، على الرغم من عدم تغطيتها سوى عدد قليل من الأحياء والشوارع.
وتضمّ الخرطوم أربعة مكبّات وسيطة للنفايات في أحياء ود نفيع وسوبا وأبو سعد والأندلس، يشير التقرير إلى أنّها لم تُنشأ بالمواصفات المطلوبة للتخلص من النفايات وصاحبتها عيوب كبيرة في التصميم والتنفيذ، علماً أنّ تكلفة صيانة أيّ منها لا تقلّ عن 200 مليون جنيه سوداني (نحو 450 ألف دولار أميركي).

يضيف التقرير أنّ ثمّة مكبّات أخرى رئيسة في أحياء أبو وليدات وحطاب وطيبة التي أنشئت غير مراعية للشروط والمواصفات الهندسية، علماً أنّ فرز النفايات والتخلّص منها يجريان بطريقة غير علمية. ويوضح التقرير أنّ نظام الرئيس المعزول عمر البشير، سمح بإنشاء جهات خاصة للاستفادة من النفايات من دون المرور بالدولة، وهي تنشط في إطار شركات وجماعات منظّمة تصدّر النفايات إلى الخارج لقاء 15 ألف دولار للحاوية الواحدة.

فتى ومكب نفايات في الخرطوم في السودان (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
بحث عن الرزق في مكب بالعاصمة (أشرف شاذلي/ فرانس برس)

وفي هذا السياق، يقول وزير الإعلام المكلف في حكومة ولاية الخرطوم، يوسف حمد، إنّ حكومته متفهمة تماماً قضية النفايات وما تتسبّب به من قلق، وهي تعمل بخطط قصيرة وأخرى طويلة المدى للمعالجة، مع العلم أنّ البداية سوف تكون بإجراء إصلاحات تشريعية وقانونية وإنشاء هيئة واحدة للنظافة بصلاحيات واسعة بدلاً من سبع هيئات في المحليات. يضيف حمد أنّ عمليات صيانة واسعة تُجرى للآليات المتهالكة، ومعها صيانة المكبّات الوسيطة والرئيسة، وإعادة تأهيل مصنع تدوير النفايات بعد توقّفه لفترة طويلة، إلى جانب زيادة رواتب العاملين في مجال النظافة. وحول المخاطر البيئية في فصل الخريف الحالي، يوضح حمد أنّ حكومة الخرطوم خصّصت أكثر من ثلاثة مليارات جنيه (نحو ستة ملايين و700 ألف دولار) لدرء الآثار المحتملة لخريف 2021، لافتاً إلى 39 منطقة هشّة معرّضة لخطر. ويؤكّد أنّ الخطة تشمل تصحيح الوضع البيئي من خلال رشّ البرك وأماكن توالد الذباب والبعوض، متعهداً باسم الحكومة بمواصلة الجهد حتى تعود الخرطوم إلى ما كانت عليه قبل عقود.

المساهمون