نساء عكا.. منذ ما قبل النكبة وحتى هبّة الكرامة

23 يوليو 2022
صورة تذكارية للمشاركات في عكا (العربي الجديد)
+ الخط -

في إطار مشروع "حلقات استقبال" الذي يهدف إلى توثيق الرواية الفلسطينية، كانت جولة لنساء فلسطينيات في مدينة عكا، اليوم السبت. والجولة التي انطلقت من شطّ العرب في عكا، سعت إلى التعرّف إلى روايات نساء شاهدات على النكبة وأخريات هنّ والدات أسرى بعد هبّة الكرامة (مايو/ أيار 2021). وقد قادت الجولة الناشطة زمزم فاعور، فجابت النساء المشاركات فيها المنطقة الواقعة في خارج الأسوار قبل أن يتوجّهنَ إلى ساحة جامع الجزار وحيّ المعاليق في داخلها.

وعن أهداف الجولة وأهميتها، تقول آية زيناتي من مشروع "حلقات استقبال" لـ"العربي الجديد"، إنّ "المشروع يقوم على جولات نسوية سياسية في مدن وقرى فلسطينية ويهدف إلى توثيق الرواية الفلسطينية من منظور النساء الفلسطينيات وتعزيز التواصل بينهنّ واسترجاع الحيّز العام". تضيف زيناتي أنّ "الأهمية اليوم هي في وجودنا في عكا بعد عام من الهبّة التي واجه فيها الناس وحدهم شراسة الاحتلال والمستوطنين".

وتشدّد زيناتي على أنّه "من المهمّ جداً أنّ نقصد كلّ بلداتنا الفلسطينية، خصوصاً في عكا حتى نسمع رواية نسائها منذ ما قبل النكبة وحتى اليوم، مع ربط النكبة كحدث فلسطيني مفصلي بهبّة الكرامة وكلّ المراحل التي مررنا بها كشعب فلسطيني". وتتابع زيناتي: "نحن نريد أن نستمع إلى النساء ونسمع عن عكا منذ ما قبل النكبة ونفهم ما نمرّ به فعلياً".

الحاجة منيرة أبو حميد من نساء عكا. هي من مواليد عام 1937 وشاهدة على النكبة. تخبر أنّها لجأت مع عائلتها إلى لبنان في عام النكبة، وقد بقيت فيه لمدّة عامَين قبل أن تعود إلى عكا. تضيف أنّ العائلة ظنّت أنّها سوف تغيب لمدّة أسبوعَين حتى تهدأ الأحوال، لكنّ الأمر طال. وتؤكد الحاجة منيرة إنّ "النكبة جزء من الماضي، وقد كنت واعية وأتذكّرها جيداً". هي كانت تبلغ من العمر حينها نحو عشرة أعوام.

وتوضح الحاجة منيرة أنّ "الحرب بدأت، فخافت والدتي علينا إذ بيتنا كان قريباً من التلّ وقد ضُرب بقنبلة. أمّا والدي فقال لها: أنت خائفة، تريدين أخذ البنات والذهاب إلى لبنان.. الله معكنّ. لكنّني لا أريد الذهاب. أريد البقاء هنا حتى أموت تحت شجرة من شجرات بيتنا".

صورة ذلك البيت معلّقة اليوم على أحد جدران مسكن الحاجة منيرة، فتقول: "أنا محافظة على صورة البيت الذي خسرناه لسبب مختلف جداً". وتتابع أنّ أفراد أسرتها الذين انتقلوا إلى لبنان ومكثوا فيه عامَين، نصفهم شعر بأنّه لاجئ من جرّاء الحرمان. وتشير إلى أنّ والدتها كانت من عائلة أبو رقبة وقد عاشت 88 عاماً، في حين بقي والدها 100 عام على قيد الحياة.

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

وتخبر الحاجة منيرة: "شعرنا بالغربة، وشعرنا كيف يشعر اللاجئون" فيما كانت تتنقّل في مخيّمات اللاجئين. وتشرح أنّ "والدتنا كانت تأخذنا من (مخيّم) برج البراجنة (الضاحية الجنوبية لبيروت) إلى مخيّم الميّة وميّة (جنوب لبنان) لكي تزور فلسطينيين من أبناء بلدها. وعندما كنت أسال والدتي: لماذا تحضريننا إلى هنا؟ كانت تجيب: هؤلاء الناس من بلدنا وجاؤوا إلى هنا.. إلى الغربة". وتؤكد الحاجة منيرة: "لم يكن سهلا عليها (الوالدة) في ذلك الوقت أن تجول في المخيّمات لتسأل عن أحوال الناس وعن احتياجاتهم، على الرغم من أنّها لم تكن تملك شيئاً. هي كانت تؤمن بأنّ الكلمة الطيبة والاطمئنان عليهم سوف يسعدهم. هكذا كانت والدتي".

وعندما عادت الحاجة منيرة مع عائلتها من لبنان إلى عكا، وجدوا أنّ ثمّة عائلات يهودية تسكن في بيتهم وقد عمدت إلى طردهم. بالنسبة إليها، "كانت الصدمة الأولى أنّ بيتنا لم يَعُد لنا وقد طُردنا منه، ومدرستي لم تَعُد مدرستي"، مضيفة "لم أنهِ الصفّ السادس الابتدائي".

يُذكر أنّ والد الحاجة منيرة، محمد أبو حميد، كان يملك مطحنة في عكا قبل النكبة، وكان يقصده الناس من كلّ بلدات الجليل ليطحنوا قمحهم. وقد بقي هناك "في خلال حرب 48". وكما فعلت عائلات أخرى، ناضلت عائلة أبو حميد لاستعادة بيتهم الذي خسروه في النكبة. وفي النهاية تمكّنوا من شرائه في عام 1966.

من جهة أخرى، ثمّة 25 أسيراً من أبناء عكا ما زالوا معتقلين في السجون الإسرائيلية حتى اليوم، منذ هبّة الكرامة في العام الماضي. محمد حلواني الذي كان صيّاداً واحد من بين هؤلاء، وهو معتقل منذ 14 شهراً على خلفية اتهامه بإطلاق الرصاص في الهواء في منطقة جامع الجزار في عكا خلال هبّة الكرامة.

تخبر والدة محمد، أميرة حلواني، أنّه "حُكم عليه في شهر يونيو/ حزيران عبر صفقة بالسجن لمدّة 29 شهراً من دون استئناف، وهو اليوم في سجن مجيدو. وقد أخبرني محمد هذا الأسبوع بأنّهم سوف ينقلونه إلى سجن نفحة". وتصف الأمر بأنّه "صعب جداً، إذ لا أستطيع زيارته في نفحة. عليّ الانطلاق عند الساعة الثالثة فجراً والعودة عند الساعة الثامنة مساءً. أن نزور أبناءنا في نفحة صعب علينا كأمّهات. من المفترض أن يكون السجن أقرب لنتمكن من ذلك".

وعن حالة محمد المعنوية في خلال الزيارة الأخيرة له في سجن مجيدو، تقول الوالدة إنّها "كانت جيّدة وهو راضٍ عن الحكم.. وقال نشكر الله". ولا تخفي المرأة الفلسطينية أنّ "الوضع صعب منذ عام وشهرَين، إذ إنّه (ابنها) هو سند البيت ومعيل العائلة"، واصفة إيّاه بأنّه "حنون جداً".

المساهمون