نساء حارسات... غابات تونس في أيدٍ أمينة

07 أكتوبر 2021
تفرض وجودها في عالم كان يحتكره الرجال (العربي الجديد)
+ الخط -

 

ما زالت مهن كثيرة تُصنّف غير مناسبة للمرأة في تونس كما في غيرها، ويستهجن المجتمع التحاق النساء بها. من بين تلك المهن حراسة الغابات التي تتطلّب جهداً بدنياً يرى بعض الناس أنّه يفوق قدرات المرأة.

تقطع رحمة مسافة عشرة كيلومترات يومياً وهي تتنقل في غابات شمال غربي تونس في مهمات تفقدية ومراقبة، منذ أربع سنوات تقريباً. تتفقد خصوصاً غابات الصنوبر والفلين والكلتوس، بهدف حمايتها من السرقات والحرائق. تخبر "العربي الجديد": "ترددت بداية في الالتحاق بمهنة حراسة الغابات التي كانت في البلاد حكراً على الرجال قبل سنوات، لا سيّما أنّها من المهن الشاقة والخطرة. فنحن معرّضات إلى اعتداءات من قبل عصابات سرقة خشب الأشجار، أو بعض الحيوانات البرية". تضيف أنّ "أهلي رفضوا التحاق ابنتهم بهذا السلك مخافة تعرّضي إلى أيّ خطر وتفادياً لكلام الناس في بيئة محافظة ترفض أن تمتهن المرأة بعض المهن، حراسة الغابات مثالاً". وتتابع رحمة أنّ "المرأة التونسية باتت اليوم تلتحق تقريباً بمعظم القطاعات حتى الصعبة منها. لكنّ المجتمع ما زال يرفض امتهان المرأة بعض الأعمال، لا سيّما حراسة الغابات التي يُعتقد أنّها مهنة شاقة جداً وتتطلب بنية جسمانية قوية". 

وكانت وزارة الزراعة في تونس قد أشارت في أكثر من مرّة إلى تسجيل نقص كبير في عدد حراس الغابات لحماية الثروات الغابية. فعدد الأعوان الذين يحرسون الغابات وسباسب الحلفاء وغيرهما من المنظومات الطبيعية هو 7455 عوناً، من بينهم 5150 حارس غابات و123 حارساً لسباسب الحلفاء و212 حارس صيد و256 حارس برج مراقبة. وأوضحت الوزارة أنّ المساحة الغابية في تونس تحتاج إلى ضعفَي عدد الحراس الحالي، إذ تغطّي نحو 35 في المائة من الأراضي التونسية. وهي بالإضافة إلى دورها البيئي الكبير تُعَدّ مورداً اقتصادياً مهماً لسكانها البالغ عددهم نحو 900 ألف، وفقاً لبيانات وزارة الزراعة، أي ما يعادل سبعة في المائة من مجموع سكان البلاد. ويُخصّص جهاز كامل لحماية تلك المساحات ومراقبتها على مدار الساعة، أنشئ في عام 1883 تحت مسمّى الإدارة العامة للغابات التونسية.

وبحسب الوزارة، فإنّ أعوان الغابات في تونس هم إمّا حرّاس صيد وإمّا حرّاس غابات وإمّا حرّاس سباسب الحلفاء وإمّا حرّاس أبراج مراقبة، إلى جانب حرّاس المراعي وحرّاس المراكز الغابية وحرّاس المنابت وغيرها. لكنّ الأسلاك كلها تشهد نقصاً كبيراً في أعوان الحراسة منذ سنوات، بسبب ضعف الانتداب في قطاع حراسة الغابات.

وتُمثل المنتوجات الغابية المستغلة من صنوبر وفلين وزعتر وإكليل الجبل وغيرها مرود رزق كبيراً لسكان المناطق الريفية والغابية، لا سيّما النساء بالدرجة الأولى، اللواتي يعملنَ في جمع بعض النباتات الغابية وتقطيرها لصنع الزيوت أو بيع نبتة الحلفاء. كذلك يسترزق الرجال من الحطب ومن استغلاله لصنع الفحم أو جمع حبات الزقوقو وبيعه أو الفطر الجبلي وغيرها، علماً أنّ كلّ ذلك يوفّر أرباحاً بسيطة لسكان تلك المناطق. ويُذكر أنّ تلك المهن تخضع إلى تراخيص مسبقة لحماية الثروة الغابية، فيما يُراقَب التصرّف في بعض المنتوجات الغابية. 

الصورة
حارسات الغابات في تونس 2 (العربي الجديد)
المرأة قادرة على القيام بالمهام الشاقة تماماً كما الرجل (العربي الجديد)

فائدة المقدمي، واحدة من العاملات في إدارة الغابات، وهي رئيسة دائرة الغابات ومقاومة التصحّر في قفصة، جنوب غربي البلاد. والمقدمي هي المرأة الأولى في تاريخ تونس التي عُيّنت في منصب رئيس دائرة غابات بعد مرور 136 سنة على تأسيس المصلحة الأولى لحماية الغابات. تقول المقدمي لـ"العربي الجديد": "مهمتي تقتضي تفقّد العمل الميداني ومتابعة عمليات الرقابة على الغابات في قفصة. كذلك أؤدّي مهمتي كأيّ رجل زميل في الإدارة. وعلى رغم من ذلك ثمّة من رفض أن تعمل امرأة في قطاع حماية الغابات، خصوصاً أن تترأس دائرة غابات". تضيف المقدمي: "وقد تعرّضت إلى مضايقات عدّة في عملي، إذ إنّني امرأة تعمل في قطاع ما زال يُظَنّ أنّه حكر على الرجال ولا يمكن للمرأة النجاح فيه". لكنّ المقدمي لقيت من جهة أخرى تضامناً كبيراً من قبل منظمات وجمعيات بالإضافة إلى عمادة المهندسين التي أشارت إلى أنّها "تعرّضت إلى مضايقات من تشكيك لكفاءتها المهنية والعلمية وإهانة من قبل سلطة الإشراف وأعوان المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بقفصة كونها المرأة التونسية الأولى التي تتحمل مسؤولية رئاسة دائرة الغابات، رغم عملها منذ سنوات على حماية الثروة الغابية بقفصة ومكافحتها للفساد". وأدانت هذه الممارسات ضدّ المرأة وضدّ المهندسات.

فاطمة، امرأة أخرى تعمل في قطاع حراسة الغابات منذ أكثر من ثلاث سنوات. وهي تتنقل دورياً في غابات تونس لمراقبة العمل ميدانياً. وهي بدورها، وكما هي حال حارسات الغابات الأخريات، لقيت رفضاً من قبل العائلة في البداية وعدم تقبّل التحاقها بالعمل في إدارة الغابات وفي حراسة أو مراقبة العمل الميداني، خصوصاً أنّها مضطرة إلى التنقل غالباً في مناطق نائية.

بيئة
التحديثات الحية

وتقول فاطمة لـ"العربي الجديد": "أراقب في الشتاء مساحات شاسعة لحماية الأشجار من القطع والسرقات الهادفَين بالأساس إلى تحويل الحطب إلى فحم. كذلك أراقب عمليات التخريب التي يقوم بها بعض الأشخاص في الصيف وتتسبّب في حرائق". تضيف أنّ "التنقل لحراسة الغابات أو مراقبتها يتمّ في مجموعات، وذلك تفادياً لتعرّض الأعوان إلى اعتداءات من قبل عصابات سرقة خشب الأشجار أو صانعي الفحم". وتتابع: "حتى الرجال يتنقلون في مجموعات، وكلّ امرأة تتنقل مع مجموعة من الرجال. لكنّه على الرغم من ذلك ثمّة من يرفض عمل المرأة في حراسة أو في قطاع حماية الغابات ككلّ، حتى من قبل زملائي في العمل، علماً أنّ عملي لا يقلّ أهمية عن عمل أيّ امرأة في القطاع الأمني أو في وزارة الدفاع".

المساهمون