استطاعت نساء السويداء جنوبي سورية إثبات حضورهن إلى جانب الرجال في الانتفاضة الشعبية المتواصلة، وارتفعت أصواتهن المطالبة بالعدالة الاجتماعية والمساواة، حتى بات حضورهن علامة فارقة، وعاملاً في نجاح واستمرار الحراك الذي دخل شهره الرابع.
ويرى الناشط جهاد شهاب الدين أن المشاركة النسائية من أهم نتائج الحراك الشعبي في السويداء، ويقول لـ"العربي الجديد": "لم يظهر تقدير للشراكة الحقيقية مع المرأة إلا بعد بدء الثورة السورية، حين واجهت المرأة كل أشكال العنف والظلم والقهر والاستبداد، وتحملت الفقر والجوع والنزوح والتهجير والفقد، ومسؤولية العناية بالعائلة، إضافة إلى الملاحقات الأمنية والاعتقال. ساوت الثورة السورية بين الرجل والمرأة في حجم المأساة، لكن حتى اليوم مازالت تتصدر َأسماء وصور وقصص الثوار الرجال، في حين تغيب الحرائر".
يضيف شهاب الدين: "الحراك الشعبي في السويداء حصد ثمار الثورة السورية، وأظهر الدور الفاعل للنساء، وفرض وجودهن في كل الساحات والأماكن، حتى أصبحن العمود الأساسي، وعاملا مهما في نجاح التجمع، وأي تنظيم مجتمعي أو سياسي".
ويتصدر رجال الدين في مجتمع السويداء المحافظ إدارة المجتمع المدني، ويملكون سطوة على جميع فئات المجتمع التي تخضع للعادات والتقاليد والتعاليم الدينية، وفي انتفاضة السويداء أدار رجال الدين الحراك بكثير من الوعي، واستطاعوا أن يستميلوا السياسيين بأطروحات لامست تطلعاتهم، مثل العلمانية والتعددية السياسية، كما ظهر تركيزهم على دور المرأة في الحراك.
يقول الشيخ هايل الحسين لـ"العربي الجديد": "التعاليم الدينية تشجع مجتمعنا على العلم والمعرفة، ولا تفرق في طالبهما بين الذكر والأنثى، وفي نفس الوقت تساوي إلى حد مقبول في الحقوق والواجبات بين الجنسين، وقد ساهم التقدم الحضاري وثورة الاتصالات في تجاوز كثير من التعقيدات، وأتاح سمات تناسب العصر. أثبتت النساء في انتفاضة السويداء مقدرة على التنظيم والإدارة، وتهذيب الحراك الشعبي، ووسمته بأنه حضاري من خلال إعادة إنتاج إرث فني وثقافي. لم يكن هذا وليد الساعة، بل وليد تراكمات في العمل الثقافي والسياسي، إلى جانب تأثير العامل الاقتصادي الذي كان حاسماً في خروج المرأة من المنزل إلى التعلم والعمل".
وتقول سهى عواد لـ"العربي الجديد": "لا فارق بين السلطة الحاكمة وسلطات العائلة والعشيرة والزوج والأخ إلا في أسلوب القمع والتدجين، وغالبا ما استمد هؤلاء سلطتهم من السلطة الحاكمة، واعتمدوا على العادات والتقاليد، وما تيسّر لهم من تعاليم دينية. الحرية والعدالة والمساواة مفاهيم لا تتجزأ، وكثيراً ما تقع حركات التحرر في هذه الإشكالية، ومن بينها الثورة السورية. حراك السويداء استفاد من التجارب التي سبقته، وحاول تجاوز هذه الإشكالية بكثير من الحذر. نزلت النساء إلى الساحات بكثافة منذ الأيام الأولى للحراك، وقدمن نموذجاً حضارياً في المشاركة والمبادرة، وما لبث هذا الفعل النسوي أن يصبح مؤثراً لدى شريحة كبيرة من الجمهور".
تضيف عواد أن "هناك مجموعة من العوامل الداخلية التي ساهمت في تمكين نساء الحراك ومن خلفهن الحركة النسوية في المحافظة، ولعل أهمها وسائل التواصل التي نقلت صورة مشرقة عن نساء الحراك، وكذلك موقف رجال الدين، وفي مقدمتهم الرئاسة الروحية للطائفة الدرزية، وهذا الموقف يشكل ثورة في حدِّ ذاته، واعترافا هاما بدور المرأة، وحقها في النضال والتحرر".
وحملت العديد من المشاركات في حراك السويداء إلى ساحة الكرامة تجارب مريرة من التسلط بمختلف أشكاله. تقول إحدى المشاركات التي طلبت عدم ذكر اسمها، لـ"العربي الجديد"، إن زوجها حرمها من رؤية أطفالها، واستعان بالعادات والتقاليد في قمعها وظلمها، وإنها عندما وقفت في ساحة الكرامة، كانت تطالب بالخلاص.
تضيف: "على الكل أن يعي أن السوريات يناضلن من أجل التحرر من السلطة الحاكمة، ومن نوابها في المنزل والعائلة والعشيرة والطائفة، وقد وصلنا إلى مرحلة متقدمة في حراك السويداء، فنحن شركاء في كل خطوة وتجمع ولقاء تشاوري أو تنسيقي، ولن أبالغ إن أكدت أن غيابنا عن أي تكتل يؤدي إلى خلل، وربما الفشل. لشريحة الرجال المثقفين الشركاء في الحراك دور إيجابي واستثنائي في تقدم الحراك، ودعمهم لوجود ودور النساء الفاعل هو سبيل الوصول إلى الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية".