نزيف غزة الطبي... تدمير أجهزة المستشفيات يقتل الجرحى

27 يوليو 2024
محاولات لإنقاذ جرحى داخل مجمع ناصر الطبي (بشار طالب/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تحطيم الأجهزة الطبية وتحويل المستشفيات إلى قواعد عسكرية:** تداولت حسابات صهيونية مقطعاً لجندي إسرائيلي يحطم جهاز موجات فوق صوتية في مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني، الذي تحول إلى قاعدة عسكرية بعد سيطرة قوات الاحتلال.

- **تدمير ممنهج للأجهزة الطبية ومنع دخول المعدات:** دمر جنود الاحتلال العديد من الأجهزة الطبية وأجهزة الأكسجين ووحدات الطاقة الشمسية، ويمنعون دخول الأجهزة الطبية الضرورية، مما يزيد من تفاقم الأزمات الصحية.

- **تدهور الخدمات الطبية وتأثيرها على المرضى:** نقص المعدات والأجهزة الطبية يفاقم الأزمة ويزيد الضغط على الأجهزة المتاحة، مما يؤدي إلى مضاعفات خطيرة وتأخير في العلاج والكشف الطبي السليم.

تداولت حسابات صهيونية على مواقع التواصل الاجتماعي مقطعاً مصوراً لجندي إسرائيلي يقوم بتحطيم جهاز للموجات فوق الصوتية في مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني، وهي الوحيدة المتخصصة في علاج مرضى السرطان في قطاع غزة، وذلك قبل أن يخرجه جيش الاحتلال عن الخدمة في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، ما أثار امتعاضاً واسعاً، واعتبر دليلاً إضافياً على تعمد الاحتلال تدمير القطاع الصحي.
وعقب سيطرة قوات الاحتلال على مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني تحول المستشفى إلى قاعدة عسكرية، علماً أنه كان يضم أجهزة طبية متطورة غير متوفرة في بقية مستشفيات القطاع، وجميعها وصلت من تركيا خلال السنوات الماضية، وأحدثها جهاز وصل قبل شهر من بدء العدوان.
لم يكن جهاز الموجات الصوتية في مستشفى الصداقة هو الوحيد الذي يدمره جنوده الاحتلال الإسرائيلي، إذ دمروا خلال استهدافاتهم المتكررة العديد من الأجهزة الطبية، وأجهزة الأكسجين، وكذلك وحدات الطاقة الشمسية في المستشفيات التي اقتحموها، كما يمنع الاحتلال من خلال السيطرة على المعابر دخول الأجهزة الطبية التي تحتاج إليها المستشفيات والمراكز الطبية التي تتفاقم أزماتها مع استمرار خروج المزيد منها عن الخدمة.  
وتواجه كثير من الأجهزة التي لم تتعرض للتدمير أعطالاً متكررة بسبب الاستخدام المفرط لتغطية حاجة الجرحى المتواصلة على مدار الساعة، ما يؤثر على جودة الخدمات المقدمة للمرضى والجرحى في مختلف مناطق القطاع، ويضطرهم إلى الانتظار لوقت أطول للحصول على الخدمة الطبية، وذلك في ظل عدم توفر قطع الغيار، كما أنه لا يمكن إدخالها من الخارج، أو نقل الأجهزة لإصلاحها بسبب القيود المفروضة على التنقل بين مناطق القطاع، والحصار المفروض على منافذه.
ويؤكد الناطق باسم مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح، خليل الدقران، نقص الكثير من المعدات والأجهزة والمستلزمات الطبية التي يرفض جيش الاحتلال الإسرائيلي طلبات المنظمات الطبية الدولية لإدخالها لصالح مستشفيات وزارة الصحة ومراكزها في قطاع غزة، ما يفاقم الأزمة، ويزيد الضغط على الأجهزة الطبية التي تعمل أضعاف قدرتها التشغيلية مع دخول الشهر العاشر من العدوان الإسرائيلي. 

الكثير من أجهزة الرنين المغناطيسي وأجهزة الأشعة والسونار معطلة في غزة

يضيف الدقران: "مشكلة الأجهزة الطبية في قطاع غزة قديمة ومتكررة، وهي تتناقص مع كل عدوان إسرائيلي، ومع طول فترات العدوان تحصل أعطال في عدد منها بسبب التشغيل الزائد، أو لأنها تتلقى طاقة كهربائية غير مستقرة عبر المولدات في ظل انقطاع الكهرباء، إضافة إلى الأعطال الاعتيادية التي تستلزم صيانة دائمة، وتوفر قطع غيار بديلة، لكنه في ظل توافد أعداد كبيرة من الجرحى، والكثير من حالات الطوارئ، لا يمكن العناية بالأجهزة في معظم الأوقات، خصوصاً أجهزة غرف العمليات".
يدير الطبيب الدقران إلى جانب عمله ناطقاً باسم المستشفى قسم الاستقبال والطوارئ فيها، ويقول لـ"العربي الجديد": "المنظومة الطبية في غزة على مشارف الانهيار، ونتحدث بشكلٍ أساسي عن غياب الوقود الذي يتم الاعتماد عليه بشكل مباشر في استمرار العمل، فالأجهزة والمعدات لا يمكن أن تعمل من دون كهرباء، كما أن الأدوات الطبية الشحيحة تضعف قوام العمل الطبي كله، ويومياً تحاول الطواقم الطبية إبقاء الأجهزة المحدودة المتوفرة صالحة للعمل. خسرت وزارة الصحة العديد من الأجهزة المهمة، وقد وصل الكثير منها عبر منح دولية، وكانت بمثابة إنقاذ للقطاع الطبي في ظل الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة منذ سنوات. الآن، دمر الاحتلال جميع مقومات القطاع الطبي". 

تنتظر دورها في العلاج بمستشفى شهداء الأقصى (أشرف أبو عمرة/الأناضول)
تنتظر دورها في العلاج بمستشفى شهداء الأقصى (أشرف أبو عمرة/الأناضول)

ورصدت طواقم وزارة الصحة في قطاع غزة منذ الشهر الأول من العدوان تعمد تدمير الأجهزة الطبية، خصوصاً في المنطقة الشمالية ومدينة غزة، وكان أولها أجهزة مستشفى بيت حانون في أقصى شمالي القطاع، ثم أجهزة مستشفى العودة في منطقة تل الزعتر شمال مخيم جباليا، وأجهزة المستشفى الإندونيسي في شمال القطاع، وتواصل التدمير الممنهج مع استهداف المستشفيات والعيادات في مختلف مناطق القطاع، لكن كانت الخسارة الأكبر وقعت عند اجتياح مجمع الشفاء الطبي، وهو أكبر مستشفيات القطاع، ودمر فيه ما لا يقل عن 100 جهاز طبي، كما جرى إحراق الأقسام الطبية، ومن بينها أكبر قسم لغسيل الكلى في قطاع غزة، والذي تم تدمير كلّ أجهزته. 
ومن بين أبرز الأجهزة المعطلة في غزة، أجهزة الرنين المغناطيسي، وأجهزة الأشعة، وأجهزة السونار، وأجهزة التحليل المخبرية، وهي من بين الأولويات الطبية، وكانت توجد بعدد محدود.
ويشير طبيب العظام عبد السلام الآغا إلى أن تصوير الأشعة والتحليل المخبري أصبحا يستغرقان وقتاً طويلاً، ما يطيل من فترة العلاج، ويعطل الكشف الطبي السليم، إذ يضطر الجرحى إلى الانتظار لساعات يتحملون فيها آلام الإصابات قبل أن يحصلوا على تصوير أشعة. 
ويوضح الآغا لـ"العربي الجديد": "هناك مشكلات مركبة، فعندما ينجز الجريح أو المريض التصوير، يمكن عندها بدء مرحلة التشخيص الطبي، ثم ينتقل بعدها إلى أزمة عدم وجود العلاج الملائم، ويعيش المريض في بيئة غير مناسبة للاستشفاء في ظل عدم توفر أسرة المبيت داخل المستشفيات، ومن ثم تستغرق الدورة العلاجية وقتاً أطول من اللازم، وقد يؤدي هذا إلى مضاعفات، ويجعل بعضهم عرضة لخطر الموت، أو الإعاقة الدائمة". 

الأجهزة الطبية المتوفرة في غزة محدودة للغاية (دعاء الباز/الأناضول)
الأجهزة الطبية المتوفرة في غزة محدودة للغاية (دعاء الباز/الأناضول)

يضيف: "في أوقات المجازر، ينتظر المرضى والجرحى لمدة تصل إلى يومين حتى يحين دورهم في الوصول إلى الأجهزة الطبية، مثل التصوير المغناطيسي، والأشعة، وتخطيط القلب، فحالة الطوارئ تتطلب التفرغ للإنقاذ وحالات الإنعاش ورعاية الجرحى في العناية المركزة، ومع قلة الأجهزة الطبية، لا بديل أمام المصاب أو المريض سوى الانتظار وتحمل الآلام".
وتشير أرقام وزارة الصحة إلى أن نحو 1600 مريض بالفشل الكلوي تفاقمت حالاتهم الصحية بحدَّة بفعل نقص الخدمات الطبية والأدوية في أنحاء قطاع غزة، والضغط الهائل على المستشفيات التي تعطل غالبيتها، بينما تعمل البقية بأجهزة محدودة، من بينها مستشفى شهداء الأقصى ومجمع ناصر الطبي.
كان على الجريح محمد العجرمي (28 سنة) أن ينتظر قرابة 4 ساعات من أجل العرض على جهاز الأشعة داخل مستشفى شهداء الأقصى، وهو الجهاز الذي يتولى تصوير عشرات الحالات يومياً، وفي بعض الأيام يصل العدد إلى المئات. 
غادر العجرمي مخيم النصيرات إلى مدينة دير البلح للحصول على فحص طبي في ظل الإمكانيات الطبية الضعيفة المتوفرة لتصوير الأشعة للكشف عن التحام الكسور، وهو مصاب في يده وكتفه منذ مجزرة مخيم النصيرات في الثامن من يونيو/حزيران الماضي، ويحضر مع كثيرين في الصباح الباكر عبر عربة يجرها حمار حتى يتلقى العلاج في المستشفى. 

يقول العجرمي لـ"العربي الجديد": "تزيد آلامي مع طول الفترة التي أقف فيها بالطابور بين العشرات، وأفرح حين أجد أمامي 10 أفراد فقط، فهذا يعني اقترب موعد التصوير. مشكلتي مرتبطة بالتصوير الدوري، ولا يمكن أن أدخل مرحلة العلاج الثانية إلا بعد التأكد من التحام العظام الداخلية، وهناك كثيرون مثلي، والطابور يطول بمرور الأيام، وفكرت في النزوح إلى مدينة دير البلح، كي أكون قريباً من المستشفى، لكني لم أجد مكاناً". 
بدوره، يحتاج الجريح أحمد الديري (36 سنة) إلى الفحص الطبي والتحاليل المخبرية وكذلك صورة أشعة على العمود الفقري منذ أصيب في مارس/آذار الماضي، وهو يضع دعامات حديدية على مفاصل الظهر، وقرر أن يكون بالقرب من خيام العلاج في منطقة غرب مدينة دير البلح.
يقول الديري لـ"العربي الجديد": "أنا من ضمن المصابين الذين يفترض مبيتهم في المستشفى لتلقي العلاج، لكن بسبب اكتظاظ الجرحى لا يوجد مكان لي، وهناك كثيرون مثلي. أنتظر ساعات طويلة لتصوير العمود الفقري، ولا تزال آثار الرضوض تؤلمني. لا أتناول الغذاء المناسب، والتحاليل الطبية تمت إعادتها لوجود عطل في الجهاز، وهي تبين تناقص كرات الدم، ونقص الكالسيوم، لكن معظم الأدوية والفيتامينات غير متوفرة".