نزوح قبل الموت... المدارس ملجأ الغزيين رغم مجازر سابقة

09 أكتوبر 2023
يحاول الأطفال تناسي الخوف (محمد الحجار)
+ الخط -

عند ظهر اليوم الأول من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يوم السبت الماضي، نزحت عائلات قاطنة في شمال القطاع باتجاه مراكز وسط المدينة الأكثر اكتظاظاً بالسكان، والتي تضم الكثير من المباني والمدارس، تاركة منازلها التي تحاذي أراضي فارغة. وقصف الجيش الإسرائيلي أهدافاً على مقربة منهم، كما هو الحال في كل عدوان، لإجبارهم على إخلاء منازلهم، الأمر الذي يسهل عليه تحقيق أهدافه الأمنية، ومراقبة جميع المناطق الحدودية.
ونزحت بعض العائلات الغزية بعد نشر الاحتلال الإسرائيلي فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي باللغة العربية، فيما وصلت رسائل إلى هواتف البعض تحت عنوان "IDF"، أي جيش الدفاع الإسرائيلي، تتضمن تهديدات وأوامر بإخلاء المنازل إلى مراكز المدينة.  
وعلى الرغم من بعض التحذيرات الأمنية في غزة، واعتبار الرسائل بمثابة ضغوط نفسية يمارسها الاحتلال بهدف إثارة الرعب بين الغزيين، فإن عدداً من العائلات نزحت خوفاً على أطفالها، ولجأت إلى مدارس تابعة لوكالة "غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (أونروا)، كونها الملاذ الأكثر أماناً أثناء أي عدوان إسرائيلي إذ تتبع الأمم المتحدة، وذلك على الرغم من اعتداءات إسرائيلية سابقة على تلك المدارس. يُشار إلى أن الجيش الإسرائيلي كان قد ارتكب مجازر عدة داخل المدارس التابعة للأونروا، أبرزها مجزرة مدرسة الفاخورة في مخيم جباليا عام 2009، وأخرى في مدرسة أبو حسين شمال القطاع عام 2014.
إذاً نزحت معظم العائلات إلى مدارس الأونروا حاملة معها أوراقها الثبوتية وفراشها وملابسها وبعض الطعام، تحسباً لأن تطول أيام النزوح والحرب، كما تقول عايدة أبو لوز (48 عاماً) من منطقة التركمان في حي الشجاعية شرق مدينة غزة. وتتحدث عن المعاناة داخل المدرسة التي تقيم فيها بحي النصر بمدينة غزة، قائلة إن المياه مقطوعة ولا يمكن الاغتسال أو الاستحمام، وسرعان ما تحولت المدرسة إلى حي شعبي، النسبة الأكبر من الموجودين فيه من الأطفال. معظمهم لا يأبهون لما يحصل ويقضون الساعات في اللعب. لكن إذا ما سمعوا أصوات القصف، يصرخون ويختبئون في الفصول مع أهلهم. 

قضايا وناس
التحديثات الحية

تتابع أبو لوز لـ "العربي الجديد": "استشهد اثنان من أشقائي بسبب عدم إخلاء المنزل. كانا مقتنعين بضرورة البقاء في المنزل من أجل حماية الممتلكات مع نزوح العائلة إلى المدارس. لكن للأسف، استشهدا وفقدنا التواصل معهما لأيام إلى أن انتهى العدوان الإسرائيلي، لذلك، أنا الآن هنا ولا أريد البقاء أو أن يتأذى أبنائي الثلاثة وكذلك شقيقاتي الثلاثة".
أبو غازي العطار (39 عاماً) يقيم في منطقة العطاطرة، وقد اضطر للنزوح للمرة الرابعة في حياته. يقول إنه أُجبر وأولاده على المجيء إلى مدرسة غزة الجديدة "أ" التابعة للأونروا في حي النصر. وقبل ذلك، كان في مدرسة المأمونية التي تعرضت لقصف إسرائيلي ليلة السبت الماضي، وقد نزح مع شقيقه تاركاً المبنى الذي يقطنه 25 فرداً، جميعهم من عائلة واحدة. ويقول العطار لـ "العربي الجديد": "خلال العدوان الإسرائيلي عام 2014، تدمر منزلنا. وقبل ذلك عام 2009، دمر المنزل جزئياً. لذلك، اعتدنا النزوح خلال الاعتداءات الإسرائيلية". يضيف: "أصبت بجروح بالغة خلال العدوان على القطاع عام 2009، فيما أصيب شقيقي عام 2014 ولا يزال يعاني. نرغب في النجاة والنزوح. نحن الآن 16 طفلاً و8 نساء ورجلان".

الصورة
نزحوا من منازلهم (محمد الحجار)
نزحوا من منازلهم (محمد الحجار)

من جهتها، نزحت فريال العطار (60 عاماً) للمرة الرابعة حالها حال معظم عائلتها التي تسكن في مناطق حدودية مثل منطقة العطاطرة والسلاطين وبلدة بيت لاهيا. وتقول لـ "العربي الجديد": "هربنا... الصواريخ في كل مكان. لا أمان لدينا. النساء والأطفال يصرخون. كان منزلنا ومنزل عائلتنا المجاور يضم 30 فرداً". وتشير إلى أن عائلة العطار تسكن في منطقة العطاطرة (أحد الأحياء الشمالية الغربية في مدينة بيت لاهيا في شمال قطاع غزة)، وهي من أكثر العائلات الفلسطينية التي اضطرت إلى النزوح على مدار 15 عاماً هرباً من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وقد استشهد العشرات من أفراد العائلة.  
وتضيف العطار أنه خلال العدوان الإسرائيلي عام 2021، كانت الصواريخ الإسرائيلية تُصيب المنطقة بشكلٍ عشوائي، وتلحق الأضرار بالأراضي الفارغة المحاذية لمنزلهم. وعندما يقصفون الأراضي، تتحول إلى جبال رملية تغطي المنازل. وكانت ابنتها دينا التي تبلغ من العمر 12 عاماً قد غطتها الرمال داخل غرفتها المقابلة للأرض الفارغة وأنقذها والدها حينها. لذلك، نزحت مع أسرتها عند اشتداد القصف في اليوم الأول.

الصورة
حتى مدارس الأونروا ليست بمنأى عن القصف (محمد الحجار)
حتى مدارس الأونروا ليست بمنأى عن القصف (محمد الحجار)

أما أسيل العطار (12 عاماً)، فقد نزحت 3 مرات في حياتها. وتقول إنه في المرة الأولى، هربت برفقة عائلتها وكانت طفلة تبلغ عاماً من العمر. لكن عندما كبرت، كانت تسمع أفراد عائلتها يتحدثون عن العدوان الإسرائيلي عام 2014. وعام 2021، بدأت إسرائيل عدواناً لتعيش النزوح برفقة أسرتها. وكانت خائفة حينها وتعتقد أنها ستموت في أية لحظة. هذه المرة، تدرك أنها ستعود إلى بيتها لتجد كل شيء مدمراً. كما لن تتمكن من العودة إلى المدرسة، وستشعر بالخوف في كل ليلة من جراء أصوات طائرات الاستطلاع الإسرائيلية. كانت عمتها أم وديع العطار (48 عاماً) بالقرب منها تحاول تهدئتها، لتبكي هي الأخرى بسبب الذكريات الأليمة.
وتقول أم وديع لـ "العربي الجديد": "هربنا من شدة القصف في منطقتنا. كان هناك حزام ناري (قصف منطقة واحدة بشكل عامودي). لديّ ستة أبناء. ومن شدة الخوف أتيت مسرعة. اعتدنا النزوح بسبب الحروب الكثيرة. لا نخاف وندعم المقاومة والدفاع عن مقدساتنا، لكننا نريد أن نعيش ونزرع أرضنا ونعتاش منها. الاحتلال والحرب يقتلانا ولا أحد يساعدنا". 

الصورة
دمار في مدرسة (محمد الحجار)
دمار في المدرسة (محمد الحجار)

وداخل مدرسة المأمونية للمرحلة الاعدادية، التابعة للأونروا وسط مدينة غزة، نزح مئات الغزيين قادمين من شمال قطاع غزة وشرق مدينة غزة في اليوم الأول من العدوان. لكن تفاجأ النازحون إلى المدرسة باستهدافها مباشرة، ما أدى إلى إلحاق أضرار في ساحة المدرسة والملعب والفصول التي تأويهم، وإصابة أربعة منهم، وتحطم جميع نوافذ ومعظم أبواب الفصول، وتدمير ساحة الملعب.
ويقول عواد أبو طير (63 عاماً)، الذي نزح مع أسرته من بلدية بيت لاهيا، شمال قطاع غزة، إلى المدرسة الواقعة في منطقة الجلاء بمدينة غزة، إنه كان قبل الساعة الحادية عشرة مساء السبت ينتظر وصول المياه إلى الحمامات المخصصة للتلاميذ حتى يقوم بالوضوء والصلاة ووصلت المياه إلى صنابير المدرسة في ساعات الليل. يضيف: "عندما انتهيت من الوضوء وأمسكت المصلية، سمعت صفارة وكان صوتها يرتفع بسرعة"، فهرب وأسرع باتجاه الفصل الذي توجد فيها عائلته. وسقط عندما وصل الفصل من شدة القصف الذي أصاب الملعب وتطايرت الشظايا.

ويقول أبو طير لـ "العربي الجديد": "جئنا من بلدة حدودية من أجل أن نحتمي في هذه المدرسة، وخصوصاً أن الأمم المتحدة ترعى مدارس الأونروا. لكن اتضح لنا أن لا أحد يستطيع حمايتنا. لا أمم متحدة ولا حتى كل الأمم والجيوش. لا نعرف أين نذهب".
وقالت الأونروا، في بيان، إن ما يقرب من 74 ألف فلسطيني نزحوا إلى 64 مدرسة ومأوى تابع لها في قطاع غزة. وأضافت أنه من المرجح أن تزداد الأعداد مع استمرار القصف العنيف والغارات الجوية بما في ذلك على المناطق المدنية. وأشارت إلى أن مدرسة تابعة للأونروا تأوي عائلات نازحة في قطاع غزة تعرضت للقصف المباشر، ولحقت أضرار جسيمة بالمدرسة، التي تأوي أكثر من 225 شخصاً.
وأوضح البيان أن فرق الأونروا تقوم بتزويد العائلات بالمأوى والمياه النظيفة، ويجري إعداد الإمدادات لتسليمها إلى الأسر، ويشمل ذلك المواد الغذائية، ومستلزمات النظافة، ومواد التنظيف. وطالبت الأونروا بحماية المدنيين في جميع الأوقات، والتوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار، كما دعت إلى أهمية ألا تتعرض المدارس وغيرها من البنى التحتية المدنية، بما في ذلك تلك التي تأوي الأسر النازحة، للهجوم أبداً.

المساهمون