نجلاء السعيداني.. تونسية تصنع مواد تجميل من نباتات جبلية

04 أكتوبر 2022
حققت حلمها بعد صبر طويل (العربي الجديد)
+ الخط -

في مدينة سجنان في ولاية بنزرت التي تبعد عن العاصمة تونس حوالي 150 كيلومتراً، تمتد الغابات على مساحات شاسعة، وهي غنية بمختلف النباتات البرية الجبلية على غرار القضوم والريحان والجزر البري والإكليل والزعتر وغيرها. نباتات وجدت فيها نجلاء السعيداني (36 عاماً) ثروة طبيعية لصناعة مواد تجميلية بيولوجية من دون أيّة إضافات كيميائية.  

"كانت البداية من خلال حمار وفأس، ولم تكن سهلة. كنت على قناعة بقدرتي على إنجاح حلمي، وهو عبارة عن زراعة أرض صغيرة بنبات العطرش، لأبدأ في تقطيره"، تقول نجلاء. تضيف أنها "زرعت نبات العطرش في أرض صغيرة عام 2020. حرثت الأرض بحمار وفأس صغيرة وقد ساعدها والدها في البداية، لتنجح لاحقاً بزراعة مساحات شاسعة بنبات العطرش، ثم تبدأ بتقطير أوراقه وأزهاره.

وجهزت غرفة صغيرة على قمّة الجبل كانت بمثابة مصنع تجمع فيه ما تلتقطه النساء من نباتات في الجبال لتقطيرها واستخراج مياهها والزيوت من أوراقها وثمارها الصغيرة. ثمّ تحوّل تلك الزيوت إلى مختبرها وسط منطقة سجنان، وتصنع منها مواد تجميل للعناية بالشعر والبشرة". وتعمل على تقطير نباتات لا تستخدم في تونس بشكل كبير على غرار الجزر البري. 

نجلاء السعيداني (العربي الجديد)
حققت حلمها بعد بطالة استمرت نحو عشر سنوات (العربي الجديد)

تقول نجلاء إنّها صنعت منتجات لمعالجة الكلف وآثار الحبوب والتجاعيد وكلّ مشاكل البشرة. كما صنعت مواد أخرى للوقاية من تساقط الشعر. تخصصت نجلاء في علوم الأحياء، وتحديداً في مراقبة جودة المواد الغذائية، وشاركت في عدّة دورات تدريبية نظمتها بعض الجمعيات. وكانت إحداها في كيفية استخراج الزيوت النباتية من الأوراق والبذور، وأخرى في صناعة مواد تجميلية من النباتات العطرية والأزهار. وسعت إلى تحقيق حلمها بعد بطالة استمرت قرابة العشر سنوات من دون أن تحصل على وظيفة سواء في القطاع العام أو الخاص. كانت العائلة السند الأول لبدء مشروعها وسط غياب أيّ دعم مادي حكومي أو من قبل الجمعيات. أمنت بنفسها كلّ المعدات على الرغم من ارتفاع سعرها. كانت تعمل في تقطير بعض النباتات لتُوفر في كلّ مرّة معدات جديدة تحتاجها في عملها. 

نجلاء السعيداني (العربي الجديد)
قد يحتاج استخراج ملليلتر واحد من الزيت إلى كميات كبيرة من أوراق النباتات (العربي الجديد)

بداية، اشترت "قطّاراً" من الألمنيوم بقيمة 1700 دولار لاستعماله في تقطير النباتات. وفي وقت لاحق، استطاعت شراء قطّار أكبر بقيمة 4 آلاف دولار. والقطار عبارة عن إناء كبير توضع فيه النباتات أو البذور مع المياه، وتوقد النار تحته حتى تغلي وتتحول إلى بخار يسري في أنبوب طويل يمرّ عبر إناء مليء بالمياه الباردة لصبّها في قارورة تمتلئ بقطرات من المياه، لتجمع بعدها الزيوت في قوارير أخرى صغيرة. وقد يحتاج استخراج مليلتر واحد من الزيت كميات كبيرة من أوراق النباتات. 
في الصباح الباكر، تبدأ رحلة نجلاء في جبال تلك المنطقة برفقة مجموعة من النساء لجمع مختلف أنواع النباتات الجبلية البرية، ليعملن لاحقاً على تنظيفها وإعدادها للتقطير واستخراج الزيوت والمياه العطرية منها. واستطاعت تشغيل العديد من النساء اللواتي يعملن في جمع مختلف أنواع النباتات من الجبال على غرار القضوم والريحان البري ما بين شهر نوفمبر/ تشرين الثاني وحتى شهر يناير/ كانون الثاني. 

نجلاء السعيداني (العربي الجديد)
تروّج منتجاتها في مراكز للتجميل والعلاج الطبيعي (العربي الجديد)

تقول نجلاء إنّ كلّ نوع من الزيوت مفيد لعلاج مشكلة ما. وأحياناً، تعالج الزيوت نفسها مشاكل البشرة والشعر معاً. وتتراوح أسعار منتجاتها ما بين 8 و40 دولاراً، وهي أسعار في متناول الجميع. كما تروّج منتجاتها في بعض مراكز التجميل والعلاج الطبيعي. وبات لديها زبائن يقتنون كل ما تصنعه من مواد. 
في مختبرها الصغير، خصصت نجلاء غرفة لصناعة المواد وحفظها بما يضمن جودة المنتج وفاعليته في العلاج. وخصصت غرفة أخرى لوضع المنتجات في قوارير وعلب صغيرة تحتوي على ملصقات تعرّف بها وكيفية استعمالها. كما جهزت مكاناً لعرض منتجاتها بعد الانتهاء من التصنيع.   
اختارت لمنتجها اسم "Essence Sejnane"، وأولت أهمية للتعليب ليكون جذاباً ومنافساً لمختلف مواد التجميل في السوق. واستطاعت ترويج منتجاتها في الداخل والخارج وخصوصاً في أوكرانيا. وتطمح نجلاء إلى تطوير إنتاجها وتنويعه وترويجه في أكثر من سوق خارجية، وخلق فرص عمل للنساء لا سيما وأنّ منطقتها تشتهر بنجاح العاملات في الأعمال الزراعية والأشغال الحرفية. 

وتؤكد نجلاء على ضرورة الحفاظ على الثروة الغابية وعدم استنزافها على الرغم من كونها تستعمل كميات كبيرة من النباتات في منطقتها. وتشير إلى أن جبال المنطقة غنية بثروة طبيعية وأنواع عدة من النباتات، مضيفة أنّ أي شاب أو شابة قادرون على تحقيق أحلامهم إذا ما كان لديهم الصبر والطموح.  

المساهمون