بعد تأرجحٍ ما بين الحياة والموت أكثر من ثلاثة أسابيع على أثر إصابة برصاصة طائشة، توفيت الطفلة اللبنانية نايا حنّا البالغة من العمر سبعة أعوام، لتتخفّف من ألم طال، وإن لم تتمكّن من التعبير عنه لمن حولها، لا سيّما لوالدَيها وهي وحيدتهما. وهكذا تكون الصغيرة قد أنهت رحلتها على الأرض ليل السبت-الأحد، 26 - 27 أغسطس/ آب الجاري.
في الثالث من أغسطس 2023، وبينما كانت الصغيرة نايا تمضي واحداً من أيام العطلة في مخيّم صيفيّ بمدرسة "القلبَين الأقدسَين" في بلدة الحدت إلى الجنوب من بيروت، أصيبت بعيار ناري عشوائي أُطلق خلال مظاهر ابتهاج بصدور نتائج امتحانات البكالوريا (الثانوية العامة) الرسمية في لبنان.
نستودعك #نايا_حنّا طفلة بهية مع الملائكة وفي حضن الله. تُسجّى البراءة على يد "جاهل"ورصاصة طائشة، كما سُجّي #لبنان لتقويض فاعلية العيش فيه باللا_دولة؛ ولن ينالوا منا. قلبك يا نايا يودِّعنا، وعيونك الضاحكات بريقها نوراً كونياً.(وإلى تُجّار الموت بالمجّان: كل ساق منكم سيسقى بما سقى) pic.twitter.com/jiIhGHR0Bb
— Mouna Reslan (@MounaReslan) August 27, 2023
وبعدما سقطت الصغيرة على الأرض بين رفاقها وقد أغمي عليها، نُقلت إلى مستشفى "قلب يسوع" في بلدة الحازمية المجاورة، لتُبيّن الصور الملتقطة استقرار رصاصة في قاعدة جمجمتها، بحسب ما أفاد حينها الطبيب كمال قانصو المتخصّص في العناية الفائقة لحديثي الولادة والأطفال في المستشفى.
وعقب الحادثة التي أصرّ كثيرون في لبنان على توصيفها بأنّها "جريمة"، عمّت حالة من الاستنكار والغضب الشارع اللبناني، لا سيّما أنّها ليست معزولة، إذ تُسجَّل مثل هذه الحوادث، بين حين وآخر، مع إطلاق أعيرة نارية عشوائية خلال مناسبات فرح في الغالب. فتخلّف الأفراح أتراحاً، وسط لا مبالاة من قبل الناس وتقصير رسميّ.
وفي حين كانت نايا ترقد في المستشفى ما بين الحياة والموت، ظلّت عائلتها متمسّكَة بالأمل، لا سيّما والدتها كارول خطّار ووالدها جان حنّا. وقد أكّدت العائلة، في بيان سابق، أنّ "نايا فتاة قوية، وهي ما زالت تحارب لتعود إلينا". وقد شكرت العائلة في بيانها "جميع الأشخاص الذين أظهروا لنا تعاطفاً كبيراً ومحبّة على أفكاركم الطيبة وصلواتكم".
وفي الوقت نفسه، مع انتشار شائعات كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، دعت العائلة إلى "عدم نشر أيّ أخبار كاذبة، لأنّها تستنزف طاقتنا التي نحتاج إليها لدعم نايا وبعضنا بعضاً"، طالبةً من الناس: "استمرّوا في الدعاء لنايا!".
ملاك بالجنة #نايا_حنا ماتت كرمال الجهل ، بس ينجح جحش بدهم يقوصوا وبس يولد جحش بدهم يقوصوا، ووقت يتزوج جحش بدهم يقوصوا ، بلد فلتان القواص والقتل فيه صار اهون شي . pic.twitter.com/HddfmZD0U7
— Ali Mahdi (@AliMahd35302025) August 27, 2023
وفي حين اعتاد لبنانيون الاحتفال بنجاح أبنائهم في الامتحانات، لا سيّما الرسمية منها، من خلال إطلاق النار، خصوصاً أنّ السلاح يُعَدّ منتشراً في بيوت المواطنين، يُضطر آخرون إلى دفن فلذات أكبادهم الذين يسقطون من جرّاء "ابتهاج" هؤلاء، وهذا ما سوف يفعله والدا نايا حنّا.
وفي هذا الإطار، وبعيد إصابة نايا، أصدر وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي، في 4 أغسطس، بياناً استنكر فيه "الطيش الذي تحوّل إلى جريمة نكراء". وإذ أشار إلى أنّ "النجاح في الامتحانات الرسمية مدعاة للفرح والابتهاج وتبادل التهاني وتعزيز الأمل بالمستقبل، في ظل الآفاق المسدودة في السياسة"، أسف إلى عدم الاستجابة لـ"دعواتنا المتكررة إلى عدم إطلاق النار عند إصدار النتائج". وقد دعا حينها "القوى الأمنية والعسكرية إلى ملاحقة مطلقي النار وإحالتهم إلى القضاء المختص ليكونوا عبرة لغيرهم"، مشدّداً على ضرورة "وقف هذه العادة الهوجاء المتفشية في مجتمعنا".
لكنّ المطالبات المماثلة لتلك التي أطلقها الحلبي، والتي اعتاد إطلاقها غيره من المسؤولين السياسيين والمحليين، لا تلقى آذاناً صاغية ولا إجراءات رادعة.
وفي سياق متصل، صرّح رئيس بلدية الحدت جورج عون، بعيد الحادثة، بأنّ حالة نايا "خطرة جداً"، مضيفاً "ننتظر رحمة إلهية لتستعيد الطفلة البريئة وعيها". وتابع عون في تصريح إعلامي: "أغتنمها مناسبة لإطلاق صرخة إلى ضمير كلّ إنسان في لبنان للكفّ عن إطلاق النار في المناسبات، إذ إنّ الرصاص الطائش يقضي على أناس أبرياء اختاروا البقاء في لبنان".
نايا قاومت الرحيل أكثر من أسبوعين، لكنّ قلبها استسلم اليوم.
— Christine Habib (@Christine_Habib) August 27, 2023
أبشع ميتة لأجمل ملاك 💔 رصاصة طائشة أطلقها مجهول يحتفل بنجاح في شهادة رسميّة… نال شهادة في القتل من دون أن يعرف ربّما أنه القاتل!
هذا وطن الصدفة الذي نخرج فيه من بيوتنا صباحًا، مع صلاة بأن نعود مساءً سالمين…#نايا_حنا pic.twitter.com/lsCj0otAUZ
وكانت بلدية الحدت قد أشارت في بيان سابق إلى أنّ "دماء نايا أيضاً برسم الأجهزة الأمنية والقضاء ورجال الدين والأحزاب وصنّاع الرأي والإعلام، وهي تصرخ في وجوههم جميعاً: افعلوا شيئاً... تحمّلوا مسؤوليتكم الإنسانية والأخلاقية لوقف هذه المأساة التي تتكرّر وتتكرّر في أكثر من منطقة وأكثر من مناسبة".