تسببت الرياح الشديدة والأمطار المُتساقطة على قطاع غزة في تخريب أعداد كبيرة من خيام النازحين الفلسطينيين الهشة والتي أُقيم الكثير منها أخيراً في محيط مراكز الإيواء نظراً إلى التكدُّس الهائل داخل تلك المراكز التي لم تعُد تتسع إلى مزيد.
ويواجه النازحون من مُختلف مناطق قطاع غزة أجواء شتوية قاسية في ظل تفاقم الأوضاع المعيشية السيئة بفعل تضاعف الأعداد نتيجة استمرار عدوان الاحتلال الإسرائيلي، والذي دفع الفلسطينيين إلى البحث عن مكان يؤويهم داخل مراكز اللجوء، فلم يجدوا سوى الخيام القماشية والبلاستيكية الهشة، والتي لا تحميهم من برودة الطقس أو مياه الأمطار.
وبدأت حركة النزوح في قطاع غزة مُنذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بعد قصف المُنشآت السكنية، وتدمير مربعات سكنية بأكملها، ثم تواصل نزوح مئات الآلاف بفعل التهديدات الإسرائيلية التي طالبت السكان بمُغادرة مدينة غزة ومحافظة الشمال نحو المناطق الوُسطى والجنوبية قُبيل بدء عملية الاجتياح العسكري البري مُنذ نحو شهرين.
ومع استمرار القصف والاستهداف الإسرائيلي، باتت ظروف النازحين أكثر قسوة، خصوصاً بعدما طاول المناطق التي كان جيش الاحتلال يدّعي أنها "مناطق آمِنة"، والتي عاود مُطالبة سُكانها بالنزوح، مثل مُخيمي البريج والنصيرات في وسط القطاع، ومطالبة سكان مدينة خانيونس بالنزوح نحو مدينة رفح في أقصى جنوب قطاع غزة.
يسعى الفلسطيني سُفيان أبو الخير إلى توفير سُبل الحماية لأطفاله منذ اضطراره إلى ترك مخيم البريج نحو مدينة رفح، في النزوح الثالث الذي تتعرض له العائلة خلال العدوان الإسرائيلي. يقول أبو الخير لـ"العربي الجديد"، إنه اشترى أربعة أعمدة خشبية وبضعة أمتار من النايلون لإنشاء خيمة صغيرة بجانب إحدى المدارس التي تحولت إلى مركز إيواء، وذلك بعد فشله في تسجيل أسرته المكونة من خمسة أفراد فيها بسبب التكدس الكبير، وعدم القُدرة على استيعاب نازحين جُدد.
ويصِف الفترة الحالية بأنها الأشد قسوة عليه وعلى أسرته، إذ يعانون من مخاطر الحرب، وانعدام كافة مُتطلبات الحياة الأساسية، وفي مقدمتها المأكل والمشرب، فضلاً عن صعوبة البقاء في المكان غير المجهز للسكن الآدمي، وشدة البرد في ظل عدم التمكن من توفير الأغطية أو الملابس الشتوية بسبب نفادها من الأسواق نتيجة إغلاق المعابر منذ بداية العدوان.
ووفق الإحصائيات الرسمية، تسبب العدوان الإسرائيلي المُتواصل بنزوح نحو 1.8 مليون فلسطيني نحو المناطق الوسطى والجنوبية، والتي تفتقر إلى أدنى درجات الأمان، كما تنعدم فيها مقومات الحياة الكافية لهذه الأعداد الكبيرة من السكان.
ودفع التكدس الشديد الذي أوصل أعداد النازحين في مراكز اللجوء إلى ما يزيد عن عشرة أضعاف قدرتها الاستيعابية، إلى إقامة النازحين الجُدد خياماً بدائية على جنبات الطُرق، وفي الساحات العامة، وعلى مقرُبة من مراكز اللجوء، واجتمعت على سكان تلك الخيام قلة الحيلة مع صعوبة الأجواء المناخية.
نزح الفلسطيني أنيس أبو غالي بأسرته أكثر من مرة بعد قصف منزله في مدينة غزة، ويقول: "نزحنا في المرة الأولى في ظل أجواء صيفية، فلم نحمل معنا ما يكفينا من الملابس والمُستلزمات الأساسية لاعتقادنا بأن الحرب قد تستمر لأيام أو أسابيع محدودة، لكن المدة باتت طويلة، واستنفدت قُدرتنا على الصمود".
يضيف أبو غالي، متحدثاً لـ"العربي الجديد": "الأوضاع في مراكز النزوح كارثية بفعل التكدس الرهيب، لكنها أكثر سوءاً بالنسبة لمن يعيشون في الخيام البلاستيكية، والتي تم إنشاؤها أخيراً على الطرقات لعدم توفر أماكن داخل مراكز الإيواء، ما يُعرض أسرتي وكافة سُكان الخيام للخطر، خاصة في ظل اشتداد البرد وتكرار هطول الأمطار".
ويُناشد أبو غالي كافة الدول العربية والمؤسسات الدولية المعنية ضرورة العمل على إنقاذ عشرات آلاف الأطفال والنساء وكبار السن الذين يواجهون خطر الموت بفعل ظروف الحياة القاسية، وفي ظل انعدام مقومات الحياة الآمنة، ويؤكد أنه "لن نتمكن حتى من علاج أطفالنا في حال إصابتهم بنزلات البرد أو أي أمراض معوية بسبب عدم توفر مراكز طبية ونفاد غالبية الأدوية من الصيدليات والمستوصفات".