نازحو الصومال لا يملكون سبيلاً للعلاج في مخيمات مقديشو

نازحو الصومال لا يملكون سبيلاً للعلاج في مخيمات مقديشو

08 اغسطس 2023
+ الخط -

في كل زاوية من مخيمات النزوح العشوائية المتناثرة في العاصمة الصومالية مقديشو ومحيطها، قصة معاناة، إذ يدفع النازحون الفقراء حياتهم ثمناً لتردي الأوضاع الأمنية والسياسية في بلادهم على مدار عقود، والتي تتزامن مع تردي الأوضاع الصحية، وغياب أدنى مقومات الحياة.
يعيش العديد من المرضى أوضاعاً صعبة، ويموت العديد منهم نتيجة أمراض يمكن علاجها لو توفر الدواء، لكن السبل ضاقت بهم، ما جعل العديد منهم يواجهون مصيراً مظلماً في أكواخ مهترئة لا توفر أدنى مقومات الحياة الأدمية.
يبلغ عمر النازح أحمد حسين 22 سنة، وكان يعمل في أحد أسواق مقديشو قبل أن تصيبه رصاصة طائشة اخترقت جسده، وتضرر منها عموده الفقري، وقد خضع على إثر ذلك إلى عملية جراحية أنقذته من الموت، لكنها تركته مصاباً بشلل نصفي، وبات لا يقدر على الحركة سوى بواسطة كرسي متحرك، ما جعله يعيش في كمد في ظل عدم قدرته على توفير علاج لتخفيف آلامه المتواصلة.
يروي حسين قصة معاناته لـ"العربي الجديد"، ويقول: "أصبت برصاصة كسرت إحدى فقرات العمود الفقري، واخترقت إحدى كليتي، بعد إصابتي لم أجد أي تدخل طبي حقيقي، ونقلت إلى المستشفى في وقت متأخر، وقد غادرتها مصاباً بالشلل، حتى أنني لم أستطع دفع فواتير العلاج نتيجة الوضع الاقتصادي الصعب لأسرتي التي تعيش في مخيم العدالة للنازحين جنوبي مقديشو، وما تزال الأسرة عاجزة عن متابعة علاجي، إذ لا نملك المال اللازم لزيارة أي طبيب، أو إجراء التحاليل الطبية الدورية".

تعيش شمس محمود (48 سنة) في مخيم العدالة أيضاً، وليست أفضل حالاً من أحمد حسين، فهي لا تستطيع تشخيص حالتها الصحية في مستشفيات مقديشو في ظل غياب الخدمات الطبية المجانية للنازحين المرضى. تقول في حديث لـ"العربي الجديد": "أعاني من شلل جزئي، ولا أملك علاج حالتي بسبب عدم توفر المال. عندي ولدان، أحدهما يساعدني على الحركة، والآخر يعمل في تلميع الأحذية بأحد شوارع مقديشو ليوفر لنا قليلا من الدخل الذي يمكننا من شراء الطعام".

نحو مليون نازح صومالي يعيشون في مخيمات العاصمة مقديشو ومحيطها

وتضيف شمس: "أعاني من آلام عضلية مستمرة، وليس هناك سبيل للذهاب إلى أحد مستشفيات العاصمة، فكيف أستطيع تأمين تكاليف العلاج، وحالتي لا يمكن علاجها بالأدوية البسيطة أو المسكنات، بل تتطلب تشخيصاً وفحوصاً طبية لمعرفة سبب ما أعانيه من آلام تتضاعف يوماً بعد يوم".

ضيع الهم واليأس والمرض شباب النازحة الثلاثينية فاطمة مرسل، والتي تعيش في مخيم يبعد عن العاصمة ثماني كيلومترات، حيث تضاعفت آلامها، ولم تجد علاجاً لحالة ساقها، فاضطرت في مارس/ آذار الماضي، إلى بترها في أحد مستشفيات مقديشو.

الصورة
تحلم الصومالية فاصمة شمس بطرف صناعي (العربي الجديد)
تحلم الصومالية شمس بطرف صناعي (العربي الجديد)

تقول مرسل لـ"العربي الجديد": "بعد إجراء الفحوص الطبية، أخبرني الأطباء أنه لا يوجد علاج لساقي، وأن بترها بات الحل الوحيد لمنع انتشار العدوى إلى باقي جسدي، وقد قطعتها بالفعل أخيراً، لكن ما يضاعف معاناتي أنني لا أقدر على إعالة نفسي، ولا حتى توفير الغذاء. أصبحت بحاجة ماسة إلى الحصول على طرف صناعي يمكنني من مواصلة حياتي، ويتيح لي الاعتماد على نفسي في القيام بأموري الحياتية اليومية، لكن في ظل وضعي الحالي، واعتمادي على عكازتين، لا أستطيع حتى الوقوف بشكل جيد".
وتوفر عيادات متنقلة لسكان المخيمات بعض الخدمات الطبية المجانية، لكنها لا تملك التعامل مع الحالات الصحية الصعبة، وتقتصر على علاج الأمراض البسيطة، فضلاً عن مضاعفات سوء التغذية، ورغم ذلك، تسجل هذه العيادات وفاة العديد من الأطفال بشكل متكرر بسبب المضاعفات التي تطرأ على حالتهم.

يؤكد المشرف على عيادات "جمعية قطر الخيرية" في مقديشو، محمد مؤمن، في حديث مع "العربي الجديد"، تزايد أعداد الأسر الصومالية المتأثرة بموجات الجفاف الناتجة عن عدم هطول الكميات المعتادة من الأمطار الموسمية خلال المواسم الأربعة الأخيرة، ما أدى إلى زيادة عدد الأسر التي تعاني من شح شديد في المؤن الغذائية، والتي بات عددها يناهز 8 ملايين نسمة، كما ترتفع أعداد الأطفال الذين يعانون من مضاعفات سوء التغذية، ولهذا كان ضرورياً إقامة عيادات متنقلة في ضواحي العاصمة لإسعاف المرضى من النازحين.

الصورة
غالبية المخيمات الصومالية بلا خدمات طبية (العربي الجديد)
غالبية المخيمات الصومالية بلا خدمات طبية (العربي الجديد)

يضيف مؤمن أن "قرابة خمسة آلاف شخص في مخيمات مقديشو يستفيدون من خدمات العيادات المتنقلة التابعة لجمعية قطر الخيرية، والتي تساهم في الحد من وفيات الأطفال من جراء مضاعفات سوء التغذية، وقد استضافت مخيمات العاصمة ومحيطها أعداداً كبيرة من النازحين الفارين من موجات الجفاف المتتالية. مراكزنا تستقبل يومياً أكثر من 150 حالة صحية، وهي تضم عيادات خارجية، وأقسام لأمراض النساء، ورعاية ما قبل الولادة وما بعد الولادة، وخدمات التطعيم، وتستقبل أقسام علاج سوء التغذية يومياً أطفال يعانون من المضاعفات، وتوفر المراكز الأدوية بالمجان، إلى جانب الفحوص الطبية، لكن هناك مشكلات تتعلق بالطاقة الاستيعابية لهذه المراكز نظراً لزيادة أعداد الأسر التي لا تستطيع دفع تكاليف العلاج في مستشفيات العاصمة".

يدفع النازحون الصوماليون حياتهم ثمناً لتردي الأوضاع الأمنية والسياسية

ويتزامن تردي الأوضاع المعيشية للأسر النازحة في المخيمات مع تفاقم أوضاع المصابين بالأمراض المزمنة والحالات المستعصية، إضافة إلى غياب المبادرات الخيرية التي تساعدهم على تلقي العلاج، ما يترك المرضى من النازحين في وضع نفسي صعب، ويقول الكثيرون منهم إنهم وصلوا إلى حد فقدان الأمل في العلاج.
يعتبر مستشفى "بنادر" للأمومة والطفولة التابع لوزارة الصحة الصومالية المستشفى الوحيد الذي يوفر خدمات العلاج بالمجان، ويتوافد عليه يومياً عشرات المرضى، من داخل العاصمة ومن خارجها، وكثير من المراجعين يقيمون في مخيمات مقديشو التي يناهز عدد سكانها قرابة المليون نازح، وقد تضاعفت الأعداد خلال العامين الماضيين على إثر موجات الجفاف التي ضربت مناطق جنوب البلاد.

الصورة
معاناة أصحاب الأمراض المزمنة متفاقمة في الصومال (العربي الجديد)
معاناة أصحاب الأمراض المزمنة متفاقمة في الصومال (العربي الجديد)

ويعد قسم الأطفال والأمومة في المستشفى هو الأكثر ازدحاماً، إذ يستقبل يومياً مئات المرضى، ما يجعله يشهد حالة طوارئ شبه دائمة، وتصل معظم الحالات مصابة بمضاعفات سوء التغذية، أو أمراض يمكن الوقاية منها عبر تلقي التطعيمات الأساسية.
ويقول مسؤول قسم الأطفال في مستشفى بنادر، الطبيب علي سمتر، في حديث مع "العربي الجديد": "نقدم خدمات طبية متنوعة مثل الاستشارات، والتطعيم، والفحوص، والأدوية، ولدينا قسم خاص للحالات الحرجة، ويعاني أغلب الأطفال المرضى المترددين علينا من الإسهال، أو من سوء التغذية الحاد، وفقر الدم، وأمراض أخرى".

ويضيف سمتر أن "المستشفى يستقبل يومياً أكثر من 200 حالة، أغلبها من الأسر الفقيرة النازحة التي تقطن في ضواحي مقديشو، كما يأتي آخرون من محافظات بعيدة، وكل الخدمات مجانية، ويتولاها كوادر طبية مؤهلة وفرتها وزارة الصحة الصومالية".
وبحسب دراسة حكومية، فإن أقل من 30 في المائة من الصوماليين يتمكنون من الحصول على الخدمات الصحية، بينما يتلقى 11 في المائة فقط من الأطفال التطعيمات الأساسية، وتفيد الدراسة بأن الكثير من سكان البلاد البالغ عددهم قرابة 16 مليون نسمة، يعانون من أزمات شديدة بسبب انعدام الاستقرار السياسي، وفترات العنف الطويلة، والأزمة الإنسانية الناتجة عن تفاقم الجفاف.
ووجدت دراسة مشتركة أجرتها الأمم المتحدة مع وزارة الصحة الصومالية والجامعة الوطنية في البلاد، أن الاضطراب العقلي منتشر في جميع الأنحاء، وكشفت الدراسة أن حالات الصدمات النفسية تبلغ نحو 77 في المائة، وهي نسبة أعلى من التي أظهرتها دراسة سابقة أجرتها منظمة الصحة العالمية، وأشارت إلى أن ما يقرب من 40 في المائة من سكان الصومال يعانون من اضطراب عقلي أو نفسي".
وترجع أسباب تلك الاضطرابات النفسية إلى عوامل متعددة من بينها الحروب، والفقر، وموجات الجفاف المتتالية التي ضربت البلاد، والتي تسببت في فقدان ما يقارب 20 ألف رأس ماشية خلال العامين الماضيين، وهلاك نحو 80 في المائة من المحاصيل الزراعية في البلاد، ما عرض 8 ملايين شخص لأزمات نقص الغذاء.

المساهمون