استمع إلى الملخص
- قام صندوق الزكاة بتنسيق جهود 14 جمعية خيرية لتقديم المساعدات، بما في ذلك فتح مدارس لإيواء النازحين وتوفير وجبات وقسائم شرائية، مع التركيز على دعم الفئات غير المشمولة بالدعم.
- أطلقت بعض المطاعم والملاهي الليلية مبادرات إنسانية لإيواء النازحين، بينما يواجه العديد منهم ظروفًا صعبة في مواقف السيارات، مما يتطلب تدخلًا عاجلًا لتوفير مراكز إيواء آمنة.
العدد الكبير وغير المسبوق للنازحين في لبنان وسط العدوان الإسرائيلي المتصاعد وعدم توفّر ما يكفي من مراكز نزوح وبيوت للإيجار بسبب غلاء الأسعار دفعا جزءاً من النازحين إلى المكوث في الشوارع، ما أثار نقاشاً حول دور المساجد في هذا الإطار.
أثارت أزمة النزوح غير المسبوقة في لبنان جراء التصعيد الإسرائيلي منذ 23 سبتمبر/ أيلول الماضي تساؤلات بين الناشطين وروّاد مواقع التواصل الاجتماعي بشأن العائلات النازحة التي افترشت الشوارع والأرصفة لأيام عدة. وتداول مغرّدون صوراً لمطاعم وملاهٍ ليلية فتحت أبوابها لاستقبال النازحين وأطفالهم وأثبت أصحابها إنسانيتهم، في حين لم تُفتح أبواب الجوامع والحسينيات، على حد قولهم. وفي حين يؤكد المعنيون في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى لـ"العربي الجديد" أن كلّ مؤسساته مفتوحة للنازحين، بما فيها الحسينيات، "تتفاوت المسألة بحسب تقدير كل بلدية أو اللجان المحلية". ويقول القائمون على دائرة الأوقاف الإسلامية في لبنان إن "الجوامع ليست فنادق أو مراكز إيواء".
وبينما تمكّن بعض النازحين من تدبير أنفسهم ولو في ملعبٍ مكتظ في مدارس بيروت أو حتى بيتٍ مهجور، لا يزال آخرون في العراء أو في مواقف مفتوحة، يتوسّلون سقفاً يؤويهم ويُنهي مأساة تشرّدهم منذ أسابيع، سواء في مبنى العازارية (وسط بيروت) أو على طول الكورنيش البحري في العاصمة وخارجها. وكان عدد منهم يفترش سابقاً ساحتَي الشهداء ورياض الصلح (وسط بيروت)، بعدما عجزت خطة الطوارئ الوطنية عن إيجاد ملاذٍ آمن لهم.
صندوق الزكاة في لبنان
يوضح المدير العام لصندوق الزكاة في لبنان الشيخ زهير كبّي، في اتصال حديث لـ"العربي الجديد"، أن "مسألة فتح أبواب الجوامع تقع ضمن مهام دائرة الأوقاف الإسلامية، وليست من صلاحياتنا". ويقول: "منذ بدء أزمة النزوح، شكلنا هيئة تنسيقية تضمّ نحو 14 جمعية خيرية وإغاثية، وتعمل كل جمعية ضمن اختصاصها في الإغاثة أو الرعاية الصحية أو الوجبات الساخنة وغيرها، كما ننسق مع خلية الأزمة في بلدية بيروت".
ويكشف أن "رئيس صندوق زكاة المنية (شمالي البلاد) فتح أربع مدارس خاصة تابعة له لإيواء النازحين، وكذلك فُتحت مدرستان في عكار (شمالاً)، وبادر رئيس صندوق الزكاة في محافظة جبل لبنان إلى فتح مدارس عديدة في المنطقة، وتقديم المساعدات للنازحين من الفُرش والبطانيات، وقد زوّدناه كصندوق الزكاة في بيروت بمائة حرام شتوي و35 حصة غذائية. وفي البقاع، فُتح عدد من المدارس الرسمية لإيواء النازحين ومساندتهم بفضل جهود صندوق الزكاة في المحافظة. وساهم صندوق زكاة محافظة بعلبك ـ الهرمل (البقاع) في دعم النازحين الموجودين في مدرستين رسميتين. باختصار، ساهم صندوق الزكاة في لبنان بفتح ودعم نحو 30 مدرسة رسمية وخاصة في كل المناطق اللبنانية لإيواء النازحين، لم تكن مُدرجة ضمن خطة الطوارئ الوطنية".
ويشير كبّي إلى أنهم ساهموا في "دعم بعض الجمعيات من أجل توفير الوجبات الساخنة للنازحين"، ويتحدث عما يبذله فريقهم الميداني من "جهود لتحديد مجالات الدعم والمساندة، لا سيما للفئات غير المشمولة بالدعم لغاية تاريخه، مثل مساعدة النازحين الذي لجأوا إلى منازل أقاربهم أو أصدقائهم أو الذين استأجروا البيوت أو الغرف، وهم في أمس الحاجة للمساعدة. لذلك، نقوم بإحصاء عددهم وحاجاتهم، وقد بدأنا في مرحلة أولى على نطاق العاصمة بيروت". ويعلن أن "المساعدة ستكون عبارة عن قسيمة شرائية من أي فرع من فروع تعاونيات لبنان (COOP) المنتشرة في كل المناطق اللبنانية، على أن تكون كل قسيمة مبدئيّاً بقيمة 30 دولاراً أميركيّاً، لنحو ألفَي عائلة نازحة، ليُتاح لها شراء ما تحتاجه من مواد غذائية واستهلاكية ومواد تنظيف ومستلزمات النظافة الشخصية. ووفق التمويل، نحدد إن كانت القسيمة ستُوزّع كل شهر أو كل شهرين".
"المساجد ليست فنادق"
من جهته، يبرّر المدير العام للأوقاف الإسلامية في لبنان الشيخ محمد الأروادي عدم فتح جامع محمد الأمين (وسط بيروت) لإيواء النازحين بالقول: "الجامع ليس فندقاً أو مركزاً للإيواء، إنما هو مكان مقدّس للصلاة والعبادة والطهارة والنظافة، إنه بيت الله، ولا يمكن ضبط أو معرفة من يدخله، فقد يدخله اللصوص أو الزعران أو بائعو الكبتاغون، أو غير اللبنانيين. كما لا يمكن أن نضمن ألا تنتشر النجاسة في دورات المياه. لذلك، طلبنا من النازحين الابتعاد عن الجامع والتمركز في ساحة الشهداء أو أينما يشاؤون". ويتابع في حديثه لـ"العربي الجديد": "ليس من مهامنا تأمين مراكز إيواء، إنها مسؤولية الدولة. لذا، نتمنى على وسائل الإعلام تفهّم الموضوع على حقيقته، وعدم إلقاء اللوم علينا، فإن تصرفاتنا نابعة من المنطق والشرعية والعقلانية".
مؤسّسات المجلس الشيعي مفتوحة للنازحين
بدوره، يقول المستشار الإعلامي لرئاسة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى واصف عواضة، لـ "العربي الجديد"، إنه منذ اللحظة الأولى لأزمة النزوح، سارع المجلس إلى تشكيل خلية طوارئ بإشراف نائب رئيس المجلس الشيخ علي الخطيب، تضمّ عدداً من الفعاليات وموظفي المجلس. يتابع :"اجتمعت هذه الخلية على الفور، واتخذت العديد من الخطوات التي نفذت على النحو الآتي: فتح فروع الجامعة الإسلامية، خصوصاً في منطقة خلدة (عند المدخل الجنوبي للعاصمة) وبلدة الوردانية (جبل لبنان) لاستقبال النازحين، فضلاً عن فتح كلّ المؤسسات التابعة للمجلس الشيعي الأعلى بناءً على تعليماته. وأوصى بأنه ما من خط أحمر بشأن فتح أي مؤسسة من مؤسسات المجلس لتكون في خدمة النازحين، وهنا دور رؤساء البلديات واللجان المحلية في المناطق والقرى الشيعية، لناحية تقدير إن كان في الإمكان فتح هذه الحسينية أو هذا الجامع، وهل هناك من حاجة لفتح الحسينية أو الجامع. ووفق معلوماتنا، فإن العديد من الحسينيات والجوامع فتح أبوابه للنازحين في كثير من المناطق اللبنانية، مع الإشارة إلى وجود حسينيات وجوامع غير تابعة للمجلس وليست ضمن صلاحياتنا، إنما تعود للبلدية أو لأحد المتبرعين أو المغتربين".
يضيف: "لكن أزمة النزوح جاءت دفعة واحدة، بحيث هُجّر نحو مليون ومائتي ألف نازح، وهذا الأمر أكبر من طاقة أي بلد بحكومته ومؤسّساته وهيئاته. وقد حصل بعض الارتباك خلال الأسبوع الأول، لكن الأمور بدأت تنتظم شيئاً فشيئاً، ولن يبقى أي نازح في الشارع. ويستحق اللبنانيون بجميع فئاتهم الشكر على استضافة عدد هائل من النازحين". ويشير إلى أن "خلية الطوارئ التقت عدداً كبيراً من رؤساء وممثلي الجمعيات والهيئات الخيرية لتنسيق عملية توزيع المساعدات. كما قامت وفود من الخلية بزيارة مراكز النزوح ومتابعة أوضاع النازحين ورصد حاجاتهم. وقد أعدّت بيانات بشأن النازحين في شتى المناطق. هذا، وأعطى المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى توجيهاته للعلماء ورجال الدين في كلّ المناطق لمتابعة شؤون النازحين. ويواصل العلامة الخطيب اتصالاته على المستويين الرسمي والسياسي والروحي من أجل تنسيق شؤون النزوح والوضع العام، خاصة مع رئيسي مجلس النواب والحكومة والقيادات الروحية".
ويوضح المستشار الإعلامي لرئاسة المجلس أن "العلامة الخطيب كان من أول المبادرين لعقد القمة الروحية في مقر البطريركية المارونية في بكركي (شمال بيروت)، فموقفه واضح، وهو يؤكد أنه على الرغم من حجم المعاناة، لن نرفع الراية البيضاء أمام العدو الإسرائيلي مهما كان الثمن". ويكشف عواضة أنه "كان من المفترض أن تصل إلى المجلس الشيعي مساعدات من العراق وإيران، لكن العدو الإسرائيلي أغلق الطرقات البرية والبحرية والجوية أمام هذه المساعدات. وكانت العتبة العباسية في العراق قد أرسلت 16 شاحنة مساعدات للمجلس، لكن هذه الشاحنات توقفت في سورية بسبب الحصار".
المطاعم والملاهي الليلية ملاجئ لنازحي لبنان
في المقلب الآخر، برزت أسماء بعض المطاعم والملاهي الليلية التي فتحت أبوابها لإيواء النازحين، ومن ضمنها مطعم المختار في بلدة جنسنايا (شرق مدينة صيدا في الجنوب) الذي فتح أبوابه فور بدء موجة النزوح الكبيرة. ويقول صاحب المطعم جهاد يوسف، لـ"العربي الجديد": "استقبلنا على مدى الأيام الأربعة الأولى للنزوح نحو 750 نازحاً وقدمنا لهم الطعام والإيواء، كما ساهمنا في توزيع الطعام على نحو سبعة آلاف نازح من عابري السبيل، وذلك قبل أن يشتد القصف لاحقاً ويطاول البلدات المحيطة بالمطعم". أما القائمون على إدارة الملهى الليلي "سكاي بار" في وسط بيروت، الذي استقبل عشرات النازحين، فقد فضّلوا وقف التطرق إلى مبادرتهم في الإعلام، باعتبار أن "الهدف من المبادرة إنسانيّ محض".
من جهتها، تأسف النازحة من الضاحية الجنوبية لبيروت مراكز صوان لاستمرار معاناتها رفقة عائلتها وعائلات أخرى. وتقول لـ"العربي الجديد": "ننام في موقف مفتوح في مبنى العازارية (وسط بيروت) منذ 17 يوماً، ولم نحصل سوى على فرشتين ووسادة وحرام شتوي واحد من قبل صاحب الموقف، علماً أننا أحد عشر شخصاً، ولم تزرنا أية جمعية خيرية ولم نستلم أي مساعدة من خلية الأزمة في بلدية بيروت. وأعاني مشاكل صحية في الكلى وآلاماً في الظهر، كما أن زوجي سبق أن خضع لعملية قلب مفتوح". وتناشد المعنيين "الإسراع في تأمين مركز إيواء آمن ولائق، خصوصاً أنهم مقبلون على موسم الأمطار والعواصف، فلا يمكن البقاء في موقف مفتوح من دون بطانيات ووسادات أو حتى مساعدات عينية ونقدية، مع العلم أننا خمس عائلات، أي 25 شخصاً، نتوزّع بين كاراجين".
بحسرة، يروي ابنها محمد صوان مرارة الأيام التي يقاسونها، ويقول: "لم يسبق أن انتظرنا أحداً ليحنّ علينا بوجبة طعام أو بطانية أو كيس حليب أو حفاضات". محمد، الأب لطفلين بعمر سنة وثلاث سنوات، يؤكد لـ"العربي الجديد" أنه "لولا الأيادي البيضاء لكنّا متنا من الجوع والعوز، فقد توقف عملي قبل بدء العدوان الإسرائيلي بقليل، إذ كنت أعمل سائقاً لدى إحدى العائلات، لكنها تركت البلاد".