ناجون من مجزرة حماة: عاد الحق لأصحابه

27 ديسمبر 2024
احتفالات بسقوط الأسد في حماة، 19 ديسمبر 2024 (هيسام هاك عمر/ الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- ذكريات مؤلمة ومجازر الثمانينيات: تعاني مدينة حماة من ذكريات مؤلمة بسبب مجازر الثمانينيات بقيادة نظام الأسد الأب، حيث قُتل عشرات الآلاف من المدنيين في فبراير 1982.

- فرحة بسقوط النظام: بعد سقوط نظام بشار الأسد، يعيش أهالي حماة فرحة النصر، حيث يحتفلون بعودة الحق لأصحابه ويستقبلون الزوار بحفاوة.

- شهادات الناجين والمطالبات بالعدالة: يروي الناجون قصصهم المؤلمة ويطالبون القيادة الجديدة بملاحقة المسؤولين عن الجرائم وتقديمهم للعدالة.

يصعب على أهالي مدينة حماة، وخصوصاً الناجين منهم، نسيان المجازر التي حلّت بهم في بداية ثمانينيات القرن الماضي. واليوم، لا يمكنهم إخفاء فرحتهم بسقوط النظام 

"عاد الحق لأصحابه والبيوت لأهلها"، كلمات تتردّد في ساحات وشوارع مدينة حماة (شمال شرق العاصمة السورية دمشق) منذ سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، وتفسر نشوة النصر والفرحة المضاعفة التي يعيشها الحمويون هذه الأيام، حالها حال المدن السورية الأخرى التي تحتفل برحيل نظام البعث، الذي حكم البلاد لأكثر من نصف قرن.
وعانت حماة، وهي المدينة السورية التي تأتي في المرتبة الرابعة بعد العاصمة دمشق وحلب وحمص، من إرهاب الأسد الأب، الذي ارتكب مطلع ثمانينيات القرن الماضي، مجازر دموية قتل فيها عشرات الآلاف من المدنيين، عدا عن اعتقال وفقدان الآلاف. ولعل المجزرة الأشهر والأكبر، هي التي نفذتها القوات المسلحة السورية، بقيادة رفعت الأسد، قائد ما كان يعرف بـ"سرايا الدفاع"، وهو شقيق الرئيس الراحل حافظ الأسد، في الثالث من فبراير/ شباط 1982.
الفرحة بسقوط النظام كانت تشع من عيون الكبار والصغار. ويكاد لا يخلو بيت في حماة من شهيد أو معتقل أو مفقود. ومجرد أن يعرف الحمويون أنك غريب تزور مدينتهم، حتى يدعونك لتناول "حلاوة الجبن"، وهي الحلوى التي تشتهر بها المدينة ابتهاجاً بهذا الحدث التاريخي الذي تأخر كثيراً وطال انتظاره.
"العربي الجديد" زارت مواقع نفذت فيها المجزرة، والتقت ناجين شهدوا على سقوط نظام الاستبداد، وفرار رئيسه بشار الأسد، ليقدم ناجون شهادات عن وقائع القتل والتنكيل التي استمرت شهراً دون انقطاع.
وتفيد تقارير إعلامية بأن التحضيرات لمجزرة حماة كانت في اليوم الثاني من فبراير عام 1982، من خلال عملية تطويق وحصار كامل وعزل للمدينة عن محيطها. آنذاك كان يقطنها 350 ألف نسمة، وقد شارك فيها الجيش النظامي و"سرايا الدفاع" ووحدات من المخابرات، وذلك بزعم قمع الاحتجاجات، ووجود مجموعات عسكرية معارضة تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين.
وبعدما طوقت قوات الجيش المدينة بالكامل، وقطعت اتصالها بالخارج، بدأ القصف المدفعي العنيف على الأحياء السكنية، وجرى تمهيد الأرض قبل الاجتياح البري في اليوم الثالث للعملية (6 فبراير) وقتل الجنود كل من يصادفهم. ثم تقدمت الدبابات وعربات "بي أم بي" مع غطاء ناري كثيف، تسبب في تدمير ثلث أحياء حماة بشكل كامل، واستهدفت ودمرت مساجد وكنائس ومواقع أثرية وتاريخية. وبحسب اللجنة السورية لحقوق الإنسان، قُدر عدد القتلى ما بين 30 و40 ألف قتيل، من رجال ونساء وأطفال ومسنين، كما وُثق اختفاء 15 ألفاً من السكان منذ ذلك الحين.
يعود عضو مجلس إدارة نقابة المحامين في حماة، أحمد بادي، في ذاكرته، إلى مرحلة الطفولة، حين كان في الصف الرابع الابتدائي. تفاجأ صباح السبت في السادس من فبراير 1982، بجنود مدججين بالأسلحة، اقتحموا منزلهم في حي السخانة في حماة، واقتادوا الأسرة والجيران صغاراً ونساء ورجالاً خارج الحي إلى مسجد عمر بن الخطاب، الذي كان في مراحل إنشائه النهائية. يقول: "عزل الشيوخ عن النساء والأطفال في غرف منفصلة. وبعد ثلاث ليال، أخرجوا الناس إلى شارع ذي قار. ومن مسافة ليست بعيدة، فتح جنود نيران رشاشاتهم علينا، فسقط عدد من الشهداء، ومنهم القابلة القانونية رقية عريب السليم، وأصيب كثيرون". يضيف: "أما من نجا، وأنا من بينهم، وكنت أحمل أخي الأصغر، فتوجهنا إلى الحارات حيث استقبلنا بالترحاب". ويلفت إلى أن عدداً كبيراً من شباب حارة السخانة توجهوا إلى حي الكيلانية حيث جرى إعدامهم رمياً بالرصاص، يذكر منهم أحمد فردواي وشقيقه يحيى.

ويقول بادي لـ"العربي الجديد" إن المجزرة التي استمرت حتى نهاية فبراير خلّفت أضراراً بالغة، وصلت إلى حد التدمير الكامل، وشملت المساكن والمباني المتنوعة في ستة أحياء متجاورة في حماة، هي السخانة، والشمالية، والعصيدة، والزنبقي، وباب حيرين، والكيلانية، وقد استملكت الدولة هذه الأحياء بالكامل. وللاحتيال على القانون الذي لا يسمح باستملاك عقارات ستة أحياء دفعة واحدة، أطلقت البلدية على المنطقة كلها اسم حي الزنبقي، وأنذرت السكان بإخلاء البيوت المسكونة وغير المتضررة أو المتضررة جزئياً، في مقابل مبلغ مادي زهيد جداً للمتر المربع الواحد. وشيدت الدولة في هذه المنطقة المستملكة للنفع العام فندقاً ومقراً لفرع حزب البعث، وقصراً لقيادة شرطة حماة وغيرها من المباني.
من جهته، يقول ناج سبعيني فضل عدم ذكر اسمه، إنّه "صبيحة يوم 5 فبراير عام 1982، داهم جنود بيتنا الكائن في حارة باب طرابلس، وهجموا على أبي المقعد على كرسيه المتحرك، وأزاحوه بعنف، فوقع على الأرض، وسألوا: أين القنابل والمسدسات التي تخبئها تحت كرسيك؟". بكى خلال حديثه قبل أن يتابع: "بعد تفتيش كامل المنزل، اقتادوني إلى الشارع العام بالحارة. وبعدما غص الشارع بالشباب، ساقونا إلى مدرسة الصناعة، ليتجاوز العدد نحو 500 شاب، وجرى التحقيق مع كل منا بمفرده". 

فرحة بسقوط نظام الأسد في حماة، 19 ديسمبر 2024 (هيسام هاك عمر/ الأناضول)
فرحة بسقوط نظام الأسد في حماة، 19 ديسمبر 2024 (هيسام هاك عمر/ الأناضول)

وحول الأسئلة والممارسات خلال التحقيق، يقول: "بعد السؤال عن الاسم والمهنة، يبدأ الجنود الضرب بالأيدي والهراوات والدعس بالأرجل. أصبت بجرح بسيط في صدري وآخر في رأسي، وبدأت أنزف إلى أن جفّ الدم وبقي الألم". ويواصل السبعيني حديثه لـ"العربي الجديد"، قائلاً: "جرى فرزي إلى غرفة قاووش في إحدى غرف مدرسة الصناعة، وكان الجميع جاثياً والجنود مدججين بالبنادق والرشاشات، ويراقبوننا ويعدون أنفاسنا. علمت لاحقاً أن قاووشي يخص المعارضين المسلحين، لأنقل بعد ليلتين إلى قاووش آخر في تصنيف أقل خطورة من حمل السلاح. وبعد مضي 20 يوماً، وتحديداً في 27 فبراير، أخرجونا وكنت حافي القدمين، وأخذونا إلى ساحة الساعة وسط المدينة للمشاركة في تظاهرة، ونهتف: بالروح بالدم نفديك يا حافظ. وكل مَن يصمت ولا يعلو هتافه كان نصيبه كفاً أو لطمة من عناصر المخابرات الموجودين بيننا".
شاهد ثالث ستيني، اكتفى بذكر لقب أبو مصطفى، وكان يعمل مراقباً فنياً. ويقول لـ"العربي الجديد" كيف "اقتادت قوات الجيش عشرات الشباب إلى المقبرة الكائنة في منطقة سريحين، لتجري تصفيتهم رمياً بالرصاص، كما دفن بعضهم وهم أحياء داخل نفق طويل جُهز لهذه الغاية، بما يشبه المشهد الذي انتشر أخيراً لمجزرة التضامن في دمشق".

وفي جريمة أخرى، ويوم فك الحصار عن حماة، وسحب الدبابات والآليات العسكرية الثقيلة التي شاركت الطائرات في قصف الأحياء الستة، يقول: "كانت مجموعة من الشباب تختبئ في قبو أحد البيوت في حي باب حيرين. خرج أحدهم ليجلب ما تيسر من الطعام، بعدما نفد قوتهم طيلة 23 يوماً، فاكتشف الجنود القبو وأخرجوا من فيه، وكان عددهم 18 شاباً. أوقفوهم على أحد الجدران، وأعدموهم رمياً برصاص البنادق والرشاشات".
وطالب المتحدثون، القيادة الجديدة في سورية، بملاحقة قائد هذه المجازر رفعت الأسد، الذي كان في سورية قبل إسقاط النظام، وتقديمه إلى المحاكمة لينال جزاءه، وكذلك كل مَن شارك في هذه الجرائم ولا يزال على قيد الحياة.

المساهمون