يشتري مدراء مدارس في تونس أحياناً مياهاً للشرب على نفقتهم الخاصة، فينا تتقاسم عائلات في مناطق ريفية مبالغ لجلب صهاريج بين فترة وأخرى كلّما استدعى الأمر ذلك، وهو ما زاد في السنوات الأخيرة بعد تفشي فيروس كورونا.
ولا تتوفر مياه صالحة للشرب في مدراس عدة بالمناطق الريفية، كما لم تزود أخرى شُيّدت حديثاً في مناطق داخلية بشبكات مياه، ما جعل أزمة توفر الماء في المدارس تثير جدلاً مع حلول كلّ عام دراسي، وصولاً إلى دفع الأهالي إلى تنظيم احتجاجات في مناطق عدة للمطالبة بتوفير مياه لأبنائهم.
في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أكد وزير التربية فتحي السلاوتي عدم توفر مياه صالحة للشرب في أكثر من 1400 مدرسة ابتدائية، بينها 175 مدرسة في محافظة القيروان فقط. وأشار حينها إلى أنّ إشكال عدم توفر المياه في المدارس سيُعالج بشكل نهائي عام 2021، ثم أعلن في يوليو/ حزيران الماضي تخصيص كلّ الامكانات لتوفير مياه صالحة للشرب في كلّ المدارس بلا استثناء.
والحقيقة أن وعود معالجة الأزمة تتكرر مع اقتراب كلّ عودة مدرسية، ويقابلها غياب الوفاء بالتعهدات، ما يجعل السنة الدراسية تنطلق بنفس المشاكل.
ويؤكد توفيق الشابي، العضو في الجامعة العامة للتعليم الأساسي، لـ"العربي الجديد"، أنّ "أكثر من 450 مدرسة تشكو اليوم من عدم وجود مياه صالحة للشرب. وهذه إحصاءات أولية تنتظر ما سيرصد على مدى العام الدراسي على صعيد غياب العديد من المرافق الضرورية في المدارس".
ويقول علاء المرزوقي، منسق المرصد التونسي للمياه، لـ"العربي الجديد": "رصد المرصد منذ عامين غياب المياه الصالحة للشرب عن نحو 1200 مدرسة، وأكد صعوبة توفير المياه في جميع المدارس قبل نهاية العام الحالي، خصوصاً أنّ ميزانية وزارة التربية ضعيفة، وتتوجه 90 في المائة منها لدفع أجور الكادر التربوي".
يضيف: "تزوّد جمعيات مدارس عدة بالماء، لكن معاناتها من الديون منعت توفير مياه خلال العامين الأخيرين".
وقد وجدت بعض العائلات الحل في تخصيص قنينة مياه معلّبة لأبنائها يومياً، علماً أنّ المياه تغيب عن بيوت عدد كبير منها لا سيما في المناطق الريفية، التي لا يعرف سكانها إلا الآبار والأودية كمصادر مياه.
وتخبر عربية بن إبراهيم "العربي الجديد" أنّ "أهالي منطقتها في محافظة جندوبة يشربون مياه الآبار والأودية". وتسأل: "إذا غاب الماء الصالح للشرب عن بيوت السكان، فكيف يمكن أن يتوفر في مدارسهم؟ لذا يعوّل جميع التلاميذعلى أنفسهم، ويحملون معهم بعض المياه لشربها في المدراس، لكن لا بدّ أن تتوفر في كلّ مدرسة بئراً على الأقل لتوفير المياه لعدّة استعمالات، وليس للشرب فقط".
وسبق أن أكد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في دراسات عدة نشرها مع حلول كلّ عام دراسي، أنّ مشكلة عدم توفر مياه الشرب في المدارس تتجدد سنوياً، علماً أن وزارة التربية نجحت في توفير الماء لأكثر من 800 مدرسة قبل العام الدراسي الأخير، لكن عدداً كبيراً منها ما زال يعاني من نقص الماء أو غيابه بالكامل، خصوصاً في تلك التي تقع في مناطق داخلية بمحافظات الوسط الغربي والشمال الغربي، مثل جندوبة والكاف وسليانة والقيروان والقصرين، وأخرى في الجنوب.
ويؤكد المنتدى ضرورة تخصيص ميزانيات سنوية لحلّ مشاكل عدّة في المدارس، تشمل تحسين البنى التحتية، وتوفير تجهيزات ومرافق ضرورية مثل المياه الصالحة للشرب. كما من المهم تأمين متطلبات النظافة في المدارس لتفادي عدّة أمراض خصوصاً تلك المنقولة التي تتسبب في عدوى بين التلاميذ، في ظل ظروف صحية حرجة ترتبط بتواصل انتشار فيروس كورونا، وعدم استكمال تلقيح كل التلاميذ قبل العودة المدرسية هذا العام، إضافة إلى تفشي أمراض معدية أخرى بين التلاميذ خلال السنوات الماضية بسبب انعدام النظافة وغياب المياه.
من جهته، يُشير عبد الرحمن عبد اللطيف، وهو مدير مدرسة بمنطقة تالة في محافظة القصرين، إلى أنّ "العديد من الأهالي يوفرون بأنفسهم خزانات مياه بسعة 200 ليتر من الماء في بعض المدارس، على أن تُملأ كلّ فترة. لكن توفير هذه المياه مكلف وشاق، علماً أن بعض المدارس تتوفر فيها آبار لحلّ مشكلة المياه، لكن حفرها لم يعد سهلاً أو متاحاً إلا بعد الحصول على إذن قانوني من وزارة الفلاحة، كما يتطلب مضخات كهربائية لإخراج المياه، والتي تحتاج إلى ميزانيات تعتبر غير موجودة.
كما أنّ مدارس ريفية عدة تبنى في مناطق نائية، وتوجد في نقاط قريبة نوعاً ما من عدة قرى كي تستقبل التلاميذ من مناطق ريفية مختلفة، وهو ما يُصعّب عملية ربط هذه المدارس بقنوات للتزود بمياه صالحة للشرب، إذا توفرت أصلا في هذه المناطق التي تفتقر غالبيتها إلى قنوات مياه حتى في البيوت".