تشهد شوارع قطاع غزة حالة بيئية كارثية بفعل اختلاط مياه الأمطار بمياه الصرف الصحي التي باتت تغرق مختلف الطرق من جراء الطفح المتواصل، والناتج من استهداف البنية التحتية، والعجز الشديد في تصريف كميات المياه العادمة بسبب نفاد الوقود، والانقطاع التام للتيار الكهربائي.
وتفاقم الأزمات الواقع الإنساني في قطاع غزة الذي دخل سكانه الشهر الخامس من العدوان الإسرائيلي المستمر منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وسط انعدام تام لكافة مقومات الحياة، من الغذاء والماء والدواء، وندرة المساعدات الإنسانية، وصولاً إلى عجز البلديات والهيئات المختصة عن التعامل مع الأزمات المتلاحقة التي ينتجها العدوان المتواصل.
وتسبب عدوان الاحتلال الذي سبقه حصار مشدد طوال سبعة عشر عاماً، في تردي مختلف تفاصيل حياة الغزيين الذين يعيشون ظروفا معيشية غاية في السوء، إذ أغلق الاحتلال المعابر، وقطع التيار الكهربائي عن مختلف القطاعات، بما فيها القطاعات الصحية والبلديات والهيئات الخدمية، ما تسبب بشلل تام، وعدم القدرة على مواصلة العمل، خاصة مع التعنت في إدخال مشتقات البترول، والتي من شأنها توفير البدائل المؤقتة لانقطاع الكهرباء.
وانعكس انقطاع الكهرباء ونفاد الوقود على تشغيل مضخات الصرف الصحي، وباتت شوارع محافظات قطاع غزة الخمس تغرق بمياه الصرف الصحي المختلطة بمياه الأمطار، وتشكل طبقات من الوحل، ما تسبب بأزمة صحية تضاف إلى قائمة التحديات التي تواجه الفلسطينيين الذين يتعرضون لمختلف أشكال الانتهاكات منذ بداية الحرب.
وتسببت الحالة المزرية للشوارع والأسواق في خلق أزمة حركة، خاصة في المحافظات الوسطى والجنوبية، والتي تشهد زحاماً غير مسبوق مع تكدس أعداد النازحين بفعل سياسة التهجير القسري التي يتبعها جيش الاحتلال منذ بداية العدوان، والتي أسفرت عن تكدس نحو مليوني نازح في مناطق تفتقر لأدنى مقومات الحياة، وتغيب عنها الخدمات بفعل الآثار السلبية للحصار.
ويؤكد المتحدث باسم بلدية غزة، حسني مهنا، أن العدوان الإسرائيلي تسبب في العديد من المآسي الإنسانية بالقطاع، ومن أبرزها حالة الدمار الواسعة في المباني السكنية والمرافق المدنية، إضافة إلى الشوارع الرئيسية، والبنية التحتية التي تم استهدافها بشكل مكثف بالأحزمة النارية، ما بات يشكل هاجساً حقيقياً لدى المواطنين الذين يعانون بفعل تبعات الدمار الواسع لكافة القطاعات الخدمية.
ويبين مهنا لـ "العربي الجديد"، أن "سياسة الأرض المحروقة التي يتبعها الاحتلال خلال عدوانه على القطاع أدت إلى توقف العديد من القطاعات الخدمية الأساسية، ومن بينها عمل البلديات، بما يشمل إصلاح الطرق الرئيسية والفرعية، وتصريف مياه الأمطار، وتصريف المياه العادمة من الشوارع ومراكز التجميع، وكل هذا ينذر بكوارث ومخاطر. سياسة استهداف البنية التحتية ليست وليدة الحرب الحالية، وإنما كانت هدفاً للاحتلال على مدار الحروب السابقة، وكان يسعى من خلالها إلى التأثير على الفلسطينيين، وإضعاف الخدمات المقدمة إليهم، وبالتبعية إضعاف قدرتهم على الصمود".
ويوضح مهنا: "البنية التحتية التي تعرضت للقصف المركز خلال العدوان الحالي كانت منهكة بفعل الحصار المشدد على القطاع منذ سبعة عشر عاماً، ومنع الاحتلال إدخال العديد من المعدات والمواد الأساسية بحجة إمكانية الاستخدام المزدوج، إلى جانب منع إدخال الآليات الثقيلة".
ويزيد من عمق الأزمة الاستهداف الإسرائيلي المتكرر للشوارع والمُفترقات، وتكرار ضرب البنية التحتية المنهكة أصلاً، ما خلف دماراً كبيراً فيها، وأعاق قدرتها على التعامل مع المنخفضات الجوية، ومياه الأمطار التي باتت تشكل عوائق مرورية للمركبات الخاصة وسيارات الإسعاف والدفاع المدني.
وإلى جانب مخاطر غرق الشوارع، والمكاره الصحية التي تتسبب فيها تجمعات مياه الصرف الصحي، يتعرض الفلسطينيون لمخاطر إضافية تتمثل في امتلاء برك تجميع المياه، وأبرزها بركة الشيخ رضوان، والتي قالت بلدية مدينة غزة إن مستوى المياه فيها فاق الحد المسموح، وقد يتسبب فيضانها في حدوث كارثة حقيقية تهدد حياة آلاف المواطنين في ظل عدم القدرة على خفض منسوب المياه في البركة، وعدم القدرة على تصريفه إلى البحر بسبب الدمار الواسع القائم، وتعطل شبكات التصريف، فضلاً عن عدم القدرة على تشغيل الآليات من جراء نفاد الوقود.