في الموضوع الفلسطيني فتش دوماً عن الاحتلال الاستيطاني باعتباره وراء كل الأزمات التي تعاني منها المجتمعات الفلسطينية، ومنها- أو في مقدمها- قطاع التعليم في عموم مراحله.
مثل هذا الحكم لا يدخل في باب التكرار الدعائي الذي ينطلق من دوافع قومية ووطنية، أو من حقوق الإنسان والمواثيق الدولية التي تحظر الاستيلاء على الأرض بالقوة، فكيف إذا ترافق مع تهجير السكان ودفعهم إلى المنافي؟ وعليه، يصبح الحديث عن الاحتلال ومضاعفاته بمثابة لازمة ثابتة لا تقبل الجدل أو النقاش.
والقول بوجود مجتمعات فلسطينية ليس من نسج الخيال، باعتباره نتيجة لهذا الاحتلال الذي شرد الشعب الفلسطيني في دول عربية وغير عربية، ثم هناك التماس اليومي مع الاحتلال في الضفة الغربية، وحصار قطاع غزة، وهناك سياسات وممارسات الاحتلال وإجراءاته واستهدافاته التي تصبّ في هدف إلغاء الشخصية الوطنية الفلسطينية، مع كل ما تختزنه من تراث وثقافة وتعليم عبر المدرسة والجامعة والموروث الشفاهي، كذلك هناك أقلية يحاول "أسرلتها" من الفلسطينيين الباقين في أراضي عام 1948، أو دفعهم إلى الرحيل عنها نحو المهاجر.
يعاني التلاميذ والطلاب والمعلمون والأساتذة الفلسطينيون في الضفة الغربية من تضييقات عبر المداهمات والاعتقالات واقتحام المدارس للقبض على الناشطين، أو على الحواجز الثابتة والمتنقلة، ما يقود إلى تعطيل التواصل بين المدارس والطلاب والأساتذة، ويجعل الجميع بمثابة أسرى في سجن مفتوح مقطع إلى مربعات و"بلوكات" أمنية مراقبة بصورة كاملة لتسهيل السيطرة عليه.
كل هذا، ولم نتحدث عن القتل اليومي بتهمة وجود نيّات لطعن الجنود وما شابه من ادعاءات، أو القبض على الأشخاص وزجهم في السجون بعد محاكمات صورية. ومعه تصبح إسرائيل الأكبر لجهة وجود أطفال معتقلين أو محكومين في سجونها. يعيش الفلسطينيون وسط هذا المعترك القمعي من دون قدرة على اللجوء إلى القضاء الدولي، أو القضاء الداخلي المسيّس في خدمة الاستيطان وتعديات المستوطنين.
وبالطبع، هناك بؤر يجري التركيز عليها أكثر من سواها، ولا يحدث ذلك بمحض الصدفة، بل ضمن سياسة ممنهجة تستهدف طرد السكان، ما يتطلب إلغاء المدارس، أو فرض المناهج الإسرائيلية. من هنا يمكن أن نفهم ما يجري في مدارس مدينة القدس المحتلة من ضغوط لفرض التهويد، باعتبارها موقع اشتباك يومي.
على أن سياسات الاحتلال في مسح ذاكرة الأجيال الفلسطينية أو فرض التجهيل عليها لا يمكن أن تختصر المشهد اليومي لحياة الفلسطيني، فبؤر المقاومة قائمة، وتقاوم بما يتيسر لها من إمكانات ومقدرات وعدالة قضية، ولدى السلطة الفلسطينية وزارة تربية تمارس دورها الوطني في كل من الضفة والقطاع، وتسد جزءاً من النقص الحاصل في الطلب على التعليم، وتلعب دورها في مضمار تأكيد الهوية الوطنية للشعب، ومعها وإلى جانبها تعليم أهلي عريق له مدارسه وجامعاته.
وهناك مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في كل من الأردن ولبنان وسورية ومخيمات الضفة والقطاع، وفي الدول العربية المضيفة تعتمد الوكالة الأممية المناهج المقررة من وزارات التربية، بما يسمح لطلابها بالتقدم للامتحانات الرسمية ونيل شهادات حكومية.
هذا الموزاييك المعقد بكل تشعباته وخصوصياته التي يحتاج كل منها إلى متابعة خاصة لا يتسع لها المقام يوفر إطلالة على طبيعة العام الدراسي.
(باحث وأكاديمي)