موجة الأمطار تفاقم مأساة النازحين العراقيين في المخيمات

20 فبراير 2024
مخيمات النازحين في العراق (أرشيف/Getty)
+ الخط -

فاقمت موجة الأمطار الأخيرة التي شهدها العراق بالأيام الماضية معاناة النازحين العراقيين في المخيمات المنتشرة بمناطق إقليم كردستان (دهوك وأربيل والسليمانية)، إضافة إلى مخيمات أخرى في محافظتي نينوى والأنبار.

ومنذ نحو 10 سنوات بدأت مأساة النزوح في العراق على أثر سيطرة تنظيم "داعش" عام 2014 على العديد من المدن وما رافق ذلك من عمليات عسكرية استغلتها فصائل مسلحة قريبة من إيران في تغيير ديمغرافية بعض المناطق، وأبرزها جرف الصخر، شمالي بابل، وبعض المناطق في محافظات صلاح الدين وديالى ونينوى.

ويشهد العراق منذ أيام موجة أمطار غزيرة تسببت بحدوث سيول في بعض المناطق وتحويل الشوارع داخل المدن الرئيسية إلى بحيرات وبرك مائية نتيجة فشل منظومة تصريف المياه وشبكات المجاري.

وتأتي الأمطار الأخيرة كمنقذ للعراق من أزمة الجفاف وشح المياه، لكنها حلت كالكارثة على عشرات آلاف العائلات النازحة التي تسكن المخيمات، إذ تسببت بغرق خيامهم المتهالكة والقديمة فضلا عن الأضرار المادية في الممتلكات والأغطية، في وقت يعاني فيه النازحون من نقص في الأغطية والملابس الشتوية ووسائل التدفئة التي يحتاجون إليها في مواجهة البرد وانخفاض درجات الحرارة.

معاناة النازحين العراقيين مستمرة

ويشكو النازحون العراقيون في المخيمات من أوضاع معيشية وصحية متردية للغاية في ظل نقص الغذاء والوقود، بينما توجه التهم لوزارة الهجرة والمهجرين العراقية بالفساد وسرقة الأموال المخصصة للنازحين واستغلالها في الأغراض السياسية.

المتحدث باسم النازحين العراقيين في مخيم "بحركة" في مدينة أربيل أحمد الهاشمي، أكد أن النازحين يعيشون أوضاعا مأساوية لا يمكن وصفها، جراء الانخفاض الكبير بدرجات الحرارة وتساقط الأمطار على رؤوس الأطفال والنساء وكبار السن داخل الخيم المتهالكة، في ظل التجاهل الحكومي لتلك المأساة والمعاناة.

وقال الهاشمي في حديث لـ"العربي الجديد": "نازحو مخيم بحركة كباقي النازحين العراقيين في مخيمات الإقليم وباقي المناطق العراقية يعانون شتى أنواع المعاناة وفي مختلف الأوقات، ففي الصيف يعانون من الحر اللاهب وفي الشتاء يعانون من البرد وهطول الأمطار على خيامهم المهترئة".

وأضاف الهاشمي أن "قلة المساعدات في المواد الغذائية والصحية تمثل إحدى صور المعاناة التي يعيشها النازحون"، مبينا أن كل ذلك يحدث بينما تتجاهل وزارة الهجرة والمهجرين تلك المعاناة وتقوم بتقديم سلال غذائية فاسدة ومنتهية الصلاحية ولا تصلح للاستهلاك البشري.

وأوضح أن الوقود الذي توزعه وزارة الهجرة بالتعاون مع وزارة النفط العراقية يحتوي على كميات كبيرة من الكبريت، ويتسبب عند تشغيل المدافئ برائحة كريهة تتسبب بحدوث العديد من حالات الإصابة بأمراض الربو وضيق القصبات الهوائية، لا سيما لدى الأطفال.

لافتا إلى أن النازحين اضطروا لجمع مبلغ من المال من حسابهم الخاص لشراء مادة النايلون لتغليف المخيمات والكرفانات التي مضى على وجودها في المخيمات عشر سنوات دون تبديل، وذلك في محاولة لمنع المياه من التساقط داخل تلك الخيام.

وحمل الهاشمي السلطات العراقية المسؤولية عن استمرار معاناة النازحين في المخيمات لعدم اتخاذها الإجراءات الحقيقية التي تضمن من خلالها إنهاء ملف النزوح، مشددا على أن إعادة النازحين تتطلب أمورا أساسية، في مقدتها السماح للنازحين بالعودة إلى بعض المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة وتمنع الأهالي من العودة، إلى جانب تعويض النازحين بمبالغ مالية تساعدهم على إعادة إعمار دورهم المدمرة جراء العمليات العسكرية.

فصائل تمنع عودة النازحين

وتمنع الفصائل المسلحة النازحين من العودة إلى مناطق جرف الصخر، شمالي بابل، والعويسات في محيط بغداد وبعض مناطق تكريت ومحيط سامراء وقضاء بلد في صلاح الدين والمقدادية في ديالى وتلعفر في نينوى لأغراض طائفية، بينما تسبب وجود حزب العمال الكردستاني بعدم عودة النازحين إلى قضاء سنجار بمحافظة نينوى.

وتلزم وزارة الهجرة العراقية الصمت تجاه منع الفصائل المسلحة النازحين من العودة، لكنها تعلن باستمرار تبنيها برنامج إنهاء ملف النزوح في البلاد خلال العام الحالي 2024.

وتقول الوزارة إنها ستدعم العائدين من النازحين بمبلغ مالي قدره 4 ملايين دينار للعائلة، والشروع ببرنامج لإنشاء دور منخفضة الكلفة للنازحين في مدينة الموصل وقضاء سنجار بمحافظة نينوى، دون حلول مباشرة لمشاكل النازحين من باقي مناطق العراق.

الحكومة تخالف تعهداتها بشأن النازحين العراقيين

مرصد "أفاد" لحقوق الإنسان اتهم الحكومة العراقية بالتقصير المتعمد لمأساة النازحين في المخيمات، كما اتهمها بمخالفة التعهدات الدولية بشأن ملف إنهاء ملف النزوح والتهجير لنحو مليون عراقي من مدنهم الأصلية.

وقال المتحدث باسم المرصد حسين دلي في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه "بالرغم من وعود وزارة الهجرة والحكومة العراقية بتوفير المياه والكهرباء والغذاء والوقود والعلاج الصحي المناسب لمخيمات النازحين والمهجرين بعد إجبار المنظمات التي كانت الأمم المتحدة تمولها قبل 3 سنوات على المغادرة قسراً وتسليمها للجهات العراقية، فإن الحكومة العراقية تخالف كل تعهداتها الدولية وتتجاهل كل المناشدات الوطنية المحلية لإنهاء مأساة النزوح والتهجير لنحو مليون عراقي بعيداً عن مدنهم الأصلية".

ولفت إلى أن منطقة "بزيبز"، قرب عامرية الفلوجة بمحافظة الأنبار، التي تضم آلاف النازحين من منطقتي جرف الصخر والعويسات بمحيط بغداد الجنوبي الذين هجروا علانية وقسراً من فصائل مسلحة تحظى بدعم حكومي، تحولت إلى إحدى أسوأ البؤر المظلمة على المستوى الإنساني الحقوقي في ظل سحب الحكومة العراقية لأي جهد مساعد، خصوصاً وسط الأمطار والبرد والخيام المهترئة التي تشكل عبئاً كبيراً على كواهل النازحين والمهجرين، وخصوصاً أن غالبيتهم من الفقراء والمعدمين مادياً.

 

وبحسب وزارة الهجرة العراقية، فإن عدد النازحين العراقيين في المخيمات يبلغ 36 ألف عائلة، تتوزع على 27 مخيما للنازحين، 26 منها في إقليم كردستان وواحد في محافظة نينوى، وأغلب النازحين من قضاء سنجار في محافظة نينوى ومن محافظات الأنبار وصلاح الدين وديالى.

بينما تؤكد إحصائيات لمنظمات حقوقية عراقية أن عدد النازحين العراقيين يفوق المليون نازح، منهم 400 ألف نازح يمنعون من العودة بشكل مباشر من قبل الفصائل المسلحة إلى جرف الصخر والعويسات ومناطق تكريت والمقدادية وغيرها.

وكانت مفوضية حقوق الإنسان في العراق قد كشفت في وقت سابق وجود أكثر من مليون نازح، أما أولئك الموجودون في مخيمات إقليم كردستان فيناهز عددهم 650 ألفاً.

هل تخلت وزارة الهجرة عن ملف النازحين العراقيين؟

الصحافي والإعلامي العراقي عمر الجنابي أكد أن أسبابا طائفية وسياسية تقف وراء عدم إعادة النازحين إلى مناطقهم الأصلية، لا سيما في ناحية جرف الصخر والمناطق المحيطة بها في بابل، ومحيط بغداد وبعض مناطق الأنبار وديالى ونينوى ومناطق يثرب ومحيط سامراء وذراع دجلة والعوجة وعزيز بلد في صلاح الدين.

وقال الجنابي في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "وزارة الهجرة تخلت بشكل كامل عن ملف النازحين، لا سيما من المناطق العربية السنية والمقيمين في مخيمات عامرية الفلوجة وبزيبز، كما تخلت عن النازحين في إقليم كردستان رغم محاولاتها الظهور بصورة المدافع عن حقوق الأقليات كون الكثير من نازحي المخيمات في محافظة دهوك هم من الأقلية الأيزيدية".

وأشار إلى أن الحكومات الأربع المتعاقبة على حكم البلاد منذ 2014، أخفقت وفشلت وتجاهلت بصورة متعمدة ملف النازحين، مبينا أن جميع هذه الحكومات عندما تشكلت تضمنت الاتفاقات السياسية الخاصة بتشكيلها فقرة تخص التزام الحكومة بإعادة النازحين وغلق ملف النزوح، ولكن دون تنفيذ، وأوضح أن السياسي السني لا يصر على تنفيذ الفقرة الخاصة بإعادة النازحين، كما أن السياسي الشيعي انقلب على تلك الاتفاقات رغم أنها تخص ملفات إنسانية ووطنية عراقية.

وحذر من أن تجاهل السلطات العراقية لملف النزوح سيولد جيلا كاملا من النازحين تسيطر عليه البدائية وعدم التمدن والجهل والأمية، إذ يمر عليهم الشتاء العاشر وهم في مدن من القماش عانوا خلالها من الحر والبرد والأمراض والأوبئة، قائلا: "الناس يتحسرون للنوم تحت سقف".

واستبعد الصحافي العراقي حلا قريبا لمشكلة النازحين في العراق، لغياب جدية الحكومة بغلق الملف، كما أشار إلى أن تغير الأبجديات والأخلاقيات في المجتمع العراقي وعشائره وقبولها بما يواجه النازحين من انتهاكات وإذلال في المخيمات منذ 10 سنوات وعدم قيامهم بالضغط الشعبي على الحكومات لإعادة النازحين جعل من حل مشكلة النزوح في العراق أمرا بعيدا في الوقت الحالي، مشددا على أن استمرار أزمة النزوح في العراق يمثل فضيحة كبيرة للمنظومة السياسية والحكومية والدينية والعشائرية في البلاد.

المساهمون