موت بالقمح المسمّم

06 مارس 2024
يختلف لون القمح المعالج عن القمح الطبيعي (أشرف شاذلي/فرانس برس)
+ الخط -

لحصاد الأرواح أسلحة تتعدّد وتتنوّع، ومع استمرار الحرب في السودان، بات مألوفاً أن نسمع عن سقوط ضحايا بغير الرصاص، فقد جسدت حالة وفاة امرأتين مسنّتين في أحد الأحياء المحاصرة عبثية الحرب، حيث أعلنت وفاتهما جوعاً. هناك العشرات، بل المئات من المرضى الذين طُردوا من المستشفيات، بعضهم من غرف العناية المكثّفة، حين احتل الجنود المستشفيات لاتخاذها مقارّ عسكرية، ومن بينهم من مات قبل أن يصل إلى مستشفى آخر، ومن تعذّر على ذويهم الحصول على الدواء، ومن تأثروا بعدم الخضوع لغسيل الكلى، ومن حاصرهم الجوع، خاصة المسنين والأطفال، ليبقوا قاب قوسين أو أدني من الموت. لكن أن يموت المواطن من جراء تناول الخبز فذاك ما جسدته آخر صور العبث.
جاء في الأخبار أن مستودعات إحدى شركات المحاصيل الزراعية "التقاوى" بمنطقة شرق النيل، قد نهبها عسكريون في 13 يناير/كانون الثاني الماضي، وحمّلوا الحبوب ونقلوها إلى الأسواق بهدف البيع. حذرت الشركة لاحقاً من أن 1500 طن من التقاوى معالجة كيميائياً، وكانت معدّة لنقلها إلى مناطق زراعة القمح، لولا نشوب الحرب وانقطاع الطرق.
وعزّز الأمر بيان مشترك صادر عن وزارة الصحة، وهيئة المواصفات والمقاييس، والمجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية، جاء فيه أن هذا القمح المُعامل كيميائياً لا يصلح للاستهلاك الآدمي أو الحيواني، بل إن مجرد التعرُّض له باللمس والاستنشاق قد يؤدي إلى التسمُّم الكيميائي، مما يسبّب مضاعفات عدة قد تؤدي إلى الوفاة.
ويؤكد الأكاديمي المتخصص، إيهاب السر، أن تناول هذه الحبوب المعالجة كيميائياً يصيب البشر بالتسمُّم، وأحيانا التسمم الحاد بسبب حجم الجرعة المتناولة من المواد الكيميائية، خصوصاً مركب الفوستوكسين الذي ينتج غاز الفوسفين داخل الجسم، وهو مركب معروف في بعض البلدان باسم "حبوب الغلة"، ويتم استخدامه في كثير من حالات الانتحار.

موقف
التحديثات الحية

وأكد عدد من المواطنين وصول القمح الملوث ذي اللون الداكن إلى الأسواق، وأن هناك من استخدموه بالفعل في ظل انعدام الحبوب في الأسواق، في حين يؤكد الخبراء أن الغسل لا يُجدي نفعاً مع المبيدات التي تسربت إلى داخل البذرة، لكنه يقلّل من سمية المبيد الموجود على سطح البذور.
ويقول رئيس منظمة "بيئتي"  الخبير البيئي عيسى عبد اللطيف، إن "حادثة منطقة العبيدية (شمال) التي وقعت في ثمانينيات القرن الماضي، باتت تدرّس لطلاب الجامعات نموذجاً على الاستخفاف بأخطار المبيدات والكيماويات عموماً، إذ باع أحدهم تقاوى لإحدى المطاحن، وتناول الخبز المصنوع منها عشرات الأفراد الذين صادف وجودهم في أحد بيوت العزاء، ليموتوا جميعاً".
علاقات الطمع إذن تورد الإنسان المهالك، من القتل بالرصاص، إلى الموت على طرق الهروب، إلى القتل بالقمح المعفّر بالمبيدات. ولك الله يا بلادي.

(متخصص في شؤون البيئة)

المساهمون