للمرة الأولى منذ عقود، تكثر موائد إفطار رمضان في محافظة شمال سيناء، شرقي مصر، ويتبادل تنظيمها قيادات أمنية وعسكرية مع شيوخ قبائل ورجال أعمال، فضلاً عن عدد من مسؤولي المجموعات القبلية التي شاركت في القتال مع الجيش المصري خلال الأعوام الماضية ضد تنظيم ولاية سيناء الموالي لتنظيم داعش الإرهابي، لكن تلك الموائد الضخمة ضمت الأثرياء وكبار الشخصيات، بينما غاب عنها المحتاجون والفقراء رغم البذخ الواضح فيها.
وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، صوراً لموائد إفطار متكررة ضمت كبار أفراد الأجهزة الأمنية والعسكرية وشخصيات قبلية وتجارية في سيناء، وحملت إشارات حول تحسن الوضع الأمني، وتعزيز العلاقة بين الجهات العسكرية والأمنية وشيوخ القبائل.
تعددت الصور التي تظهر شيوخ القبائل في بئر العبد ورفح، خلال موائد الإفطار، والتي ضمت جلسات لإلقاء الشعر، وتكريما متبادلا، وكان أبرزها المائدة التي استضاف فيها قائد الجيش الثاني الميداني، اللواء محمد ربيع، أكثر من 100 شخصية من وجهاء سيناء.
وتعيش محافظة شمال سيناء ظروفاً اقتصادية سيئة تفوق القائم في بقية المحافظات المصرية، نظراً إلى اجتماع الظروف المعيشية التي تمر بها مصر، مع الظروف الأمنية التي عاشتها المحافظة على مدار عقد كامل، والتي خلفت أزمات حياتية لا تحصى، وسط غياب أي خطة حكومية لمعالجة آثار الحرب على الإرهاب التي لا يزال المواطنون يكتوون بنارها، وتؤدي إلى انتشار البطالة، والفقر.
يقول أحد مشايخ سيناء الذين رفضوا المشاركة في مائدة الإفطار، لـ"العربي الجديد": "خجلت أن أشارك في المائدة بينما مئات البيوت في سيناء تنتظر مواد الإعاشة الأساسية لقضاء الشهر الكريم، في ظل ضعف دور المؤسسات الحكومية والخيرية في إغاثة المحتاجين في سيناء، والذين بات عددهم بالآلاف نتيجة ما تعرضوا له على مدار السنوات الماضية، إذ انقلبت حياة المواطنين رأساً على عقب، وفقد الكثيرون مصادر رزقهم، إما على يد الإرهابيين، أو آلة مكافحة الإرهاب المتمثلة في الجهات العسكرية والأمنية".
وأضاف الشيخ الذي طلب عدم ذكر اسمه: "اعتذرت عن عدم المشاركة متحججاً بظروف صحية، لكني في واقع الأمر رفضت المشاركة في مائدة ستنشر صورها عبر مواقع التواصل، ويرانا فيها الناس مجتمعين مع القيادات العسكرية، ورجال الأعمال، والنشطاء المشهورين في سيناء، بينما هم محتاجون إلى المساعدة، وهم الأحق بحضور هذه الموائد. انتظرنا موقفاً إنسانياً بإطلاق أية مبادرة لتوزيع المواد الغذائية على مواطني سيناء خلال شهر رمضان، ورغم تقديمنا طلبات لقيادات عسكرية وأمنية، إلا أن ذلك لم يتحقق، وها هو رمضان شارف على الانتهاء".لم تخلُ موائد الإفطار من التأكيد على التعليمات الصادرة من الجهات السيادية للقبائل ورجال الأعمال في سيناء بالحفاظ على الإنجاز الذي جرى تحقيقه خلال العام الماضي، والمتمثل في القضاء على الإرهاب، وأصدر قائد الجيش الثاني قرارات تخضع المتجاوزين لقانون الإرهاب، وتشمل منع إطلاق النار بسلاح القبائل في أية مناسبة أو مكان داخل سيناء، ومنع مصادرة السيارات خلال المشاكل القبلية أو العائلية.
وتعليقاً على ذلك، يقول أحد مشايخ قبيلة السواركة الذي شارك في المائدة: "استمعنا إلى القرارات الخطيرة التي تعاقب أي فرد من القبائل يحمل السلاح، أو يستخدمه خلال الفترة المقبلة. الخطير أن العقاب سيتم وفقا لقانون الإرهاب، وهذا التعميم وزع علينا في نهاية الإفطار، ولم تكن هناك فرصة للاحتجاج عليه. نحن مع عدم استخدام السلاح في أي مناسبة غير مشروعة، لكنّنا لا نقبل بمساواة أبناء القبائل الذين كانوا كلمة السر في إنهاء تنظيم داعش مع أفراد التنظيم نفسه ضمن قانون الإرهاب، حتى لو كان ذلك الكلام للترهيب، وغير قابل للتطبيق".
وأوضح الشيخ القبلي: "من المقرر أن تقام مائدة إفطار تنظمها القبائل في مدينة رفح، ويدعى إليها القيادات الأمنية والعسكرية، للاحتفاء بالذكرى الأولى لانتهاء معركة مكافحة الإرهاب، إذ شهد شهر رمضان الماضي العمليات الأبرز لطرد التنظيم من مناطق جنوب مدينتي رفح والشيخ زويد على يد أبناء القبائل المدعومين من قوات الجيش. مائدة إفطار القبائل سيدعى إليها كل أهالي سيناء الراغبين في المشاركة، وما زلنا في انتظار موافقة الجهات المعنية للبدء في تنفيذها".
في المقابل، تتواصل الحملات الشعبية والقبلية للتكافل الاجتماعي بين العوائل، في تقديم وجبات الإفطار للمسافرين على الطريق الرابط بين سيناء ومناطق غرب قناة السويس، بالإضافة إلى تبادل أطباق الطعام يومياً بين الأسر رغم حالة الضيق التي يحياها غالبية أهالي سيناء في ظل اعتمادهم على الأعمال الفردية في الزراعة والصيد والصناعات الخفيفة والتجارة.
ويشار إلى أنّ أحد أبرز مظاهر شهر رمضان في سيناء قبل وقوعها في فخ الإرهاب، كان يشمل إقامة موائد الإفطار الجماعية، وإقامة صلاة التراويح في المناطق المفتوحة، والجلسات العائلية والقبلية في مجالس الدواوين، والولائم التي تقام يومياً، إضافة إلى إعداد أكلة "القرصة" في ليالي رمضان، وكذلك الخروج إلى البرية خارج نطاق المدن، وتبادل الأطباق بين الجيران والأصدقاء.