قررت المهندسة التونسية عفاف قروي تحدّي البطالة واستمرار غياب التنمية في منطقتها، عبر العمل في جمع البلاستيك لتعيل أسرتها، مؤكدة أنها مستعدة للعمل في نقل الحجارة لتأمين حاجيات أسرتها وقوت أطفالها.
ولدت قروي في 1986، في بئر الحفي بمحافظة سيدي بوزيد (وسط غرب)، مهد الثورة التونسية، وهي أم لأربعة أطفال، وتخرجت من كلية الهندسة بالعاصمة في 2008، وبعد عمل دام سنتين، لم تحصل سوى على "منحة تربص"، ولم يكن المبلغ كافياً لتسديد كلفة التنقل من بئر الحفي الى سيدي بوزيد، حينها قررت العمل في التدريس رغم حبها الكبير للهندسة، فالعمل في مجال الهندسة يتطلب نفقات لم تكن قادرة على تأمينها.
عملت عفاف معلمة نائبة بعقد مؤقت في 2011، واستمر ذلك لنحو 10 أعوام كانت تحصل خلالها على راتب صغير عادة ما يأتي متأخراً، وفي أحيان عدة يتأخر لأشهر، لكنها ظلت صابرة على هذا الوضع الذي يكفل لها تأمين حاجيات أسرتها، خاصة أن زوجها تعرض لحادث، وأصبح يشكو من إعاقة بصرية تمنعه من العمل.
تقول قروي لـ"العربي الجديد": "نشأت في عائلة مكونة من 9 أفراد، وتخرجنا جميعاً من الجامعة باستثناء شقيقة واحدة لم تتمكن من إنهاء البكالوريا، ولكننا جميعاً عاطلون عن العمل، وأنا أكبر أشقائي، ووالدي تحدى الظروف لتأمين كلفة دراستنا، إذ كان عاملاً باليومية في مجال البناء، وكان يحلم بأن نعمل بعد تخرجنا لنعوضه عن شقاء السنوات، ونؤمن حاجياتنا الأساسية".
وتضيف أن والدها هو من نصحها بالتوجه إلى التدريس لأنها لم تجد أجراً مناسباً في الهندسة، ولم تكن قادرة على تأمين أبسط الضروريات، وحتى مصاريف التنقل، مشيرة إلى أنها قبلت أن تكون معملة مؤقتة لعدة سنوات، وتكررت وعود ترسيمها بعد اتفاقية بين وزارة التربية ونقابة التعليم الأساسي تقضي بترسيم المعلمين النواب على 3 دفعات، وكانت ضمن دفعة 2022.
تقول: "ظننت حينها أن معاناتي انتهت، وأنني سأحقق جزءاً من أحلامي، وأحلام والدي، ولكن للأسف رغم صدور قرار بانتدابي هذا العام، وظهور اسمي ضمن القائمة، إلا أنني حتى اليوم أنتظر تفعيل الاتفاق للعودة إلى التدريس، لأنه لا يحق لي العمل معلمة نائبة طالما أن اسمي وارد في اتفاقية الترسيم".
وتتابع: "بعد زواجي، تعرض زوجي لحادث مروري أفقده بصره، وأصبح يحمل بطاقة إعاقة وعاجزاً عن العمل، فكان لزاماً عليّ تحمل مسؤولية البيت، وتأمين حاجيات الأطفال، فقررت عدم الانتظار، وبدأت جمع البلاستيك. كنت مستعدة للعمل في أي مهنة لأنني لا أملك رفاهية انتظار الترسيم".
تؤكد قروي أنه لا يوجد استثمار ولا تنمية ولا شركات ولا مصانع في منطقتها بئر الحفي، وبالتالي لا توجد فرص عمل، وأنها عملت سابقاً معينةً منزليةً، كما أنها ما زالت مستعدة للانخراط في أي عمل بدلاً من التسول أو انتظار الصدقات، ما جعلها تواصل جمع البلاستيك رغم شهادتها العلمية في الهندسة.
وتروي أنها تقضي رفقة أطفالها عدة ساعات يومياً تجوب فيها الشوارع لجمع القوارير، وأنها تضطر أحيانا إلى البحث في النفايات، مؤكدة أن "العمل صيفاً قد يستمر إلى منتصف الليل، وفي فصل الشتاء أعود باكراً إلى البيت، حوالي التاسعة مساء، بحكم أن أطفالي عادة ما يكونون برفقتي خلال جمع البلاستيك، وعليّ جمع كيس أو كيسين من القوارير يومياً، والأجرة اليومية لا تتعدى 5 دنانير (نحو دولارين) ولكنها أفضل من لا شيء".
تضيف: "أحاول جاهدة التغلب على الصعوبات المعيشية، وأسعى إلى إخفاء معاناتي ودموعي كي لا تؤثر على نفسية أطفالي الذين أحاول تعليمهم قيمة العمل، وأهمية الصبر. جمعي للبلاستيك شكّل صدمة لبعض أفراد عائلتي الذين لم يستوعبوا أن مهندسة ومعلمة تجمع النفايات البلاستيكية، ولكن بعض أصدقائي وجيراني يشجعونني، وكثيرون يتعاطفون معي عندما يشاهدونني أعمل يومياً بكد وعرق".
وتواصل: "ما يؤلمني هو تجاهل الدولة التي لا تحترم المتعلمين، ولا توفر لهم الكرامة ولا الحقوق. لم أطلب شغلاً بل كل ما كنت آمله هو ضمان حقوقي، ولكن للأسف حتى الحقوق تحولت إلى مطلب بعيد المنال".