- تحول الأمل إلى خيبة أمل بعد قصف جيش الاحتلال لتجمعات العائدين، مما أسفر عن استشهاد خمسة فلسطينيين وإصابة آخرين، وأثار الرعب واليأس بين النازحين.
- جيش الاحتلال يمنع رسميًا دخول الغزيين إلى المنطقة الشمالية، معتبرًا إياها منطقة حرب، بينما يدين المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان الهجمات الإسرائيلية كجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.
دفعت الأنباء عن نجاح بعض العائلات في العودة إلى بيوتها في شمال قطاع غزة، الآلاف إلى الاحتشاد للقيام بالمثل، لكنّ الاحتلال عاد ليقصف تجمعات العائدين، ليصاب كثيرون بالخيبة بعد الأمل.
عند الساعة السادسة صباحاً، عادت عشرات العائلات الغزية بشكلٍ مفاجئ إلى شمالي قطاع غزة عبر شارع البحر الواصل بين وادي غزة في منطقة المغراقة وسط القطاع ومدينة الزهراء التي تبعد عنها كيلومترا فقط، وذلك بعدما سمح الاحتلال الإسرائيلي لعدد قليل منها بالدخول مع استثناء الرجال، وقد نجح البعض في الوصول إلى مدينة غزة من دون تفتيش.
خبر العودة انتشر بشكلٍ كبير بين الغزيين، وراح الأهالي يتساءلون عن حقيقة الأمر، وسط تأكيدات من قبل القليل من العائلات التي نجحت بالفعل في الوصول إلى مدينة غزة. وخلال ساعات قليلة، تجمّع عشرات الآلاف من الغزيين، خصوصاً النساء والأطفال، حاملين أغراضهم القليلة التي كانوا قد أخذوها معهم خلال رحلة التهجير.
استعدّت عائلات كثيرة للعودة، وكان الرجال يرافقونهم إلى أقرب نقطة، واعتقدوا أنه سيسمح لنسائهم وأطفالهم بالوصول إلى شمال القطاع، على أمل أن يلتحقوا بهم لاحقاً، لكنهم أصيبوا بخيبة أمل. كانت أعداد كبيرة قد وصلت إلى جسر وادي غزة المدمر، وسرعان ما تدفق المزيد، إلى أن أطلق جيش الاحتلال النار نحوهم.
نفّذ الاحتلال الإسرائيلي هجوماً على الغزيين عند نقطة وادي غزة من الناحية الشمالية، فضلاً عن الناحية الجنوبية التي تفصل حدود شارع 749 الذي يسيطر عليه، مطلقاً القذائف الدخانية والصوتية نحوهم، ثم الرصاص باتجاه الشباب الراغبين في الوصول إلى مدينة غزة.
واستشهد خمسة فلسطينيين، إلى جانب عدد من الجرحى، في إطلاق جيش الاحتلال نيران المدفعية والرصاص على المهجّرين في شارع الرشيد، ونُقل هؤلاء إلى مستشفى العودة في مخيم النصيرات، وجميعهم من النازحين الذين حاولوا العودة إلى شمال القطاع، بحسب المصادر الطبية. واستمر تقدم عدد من آليات الجيش الإسرائيلي على الطريق الساحلي من شارع الرشيد المطل على شاطئ البحر بهدف منع المهجرين من العودة إلى منازلهم، بناءً على شهادات المواطنين المتواجدين في الشارع من الناحية الجنوبية.
وعلى الرغم من دخول مئات العائلات، أعلن جيش الاحتلال، ظهر أول من أمس الأحد، أنه يمنع دخول الغزيين إلى المنطقة الشمالية التي لا تزال تعتبر منطقة حرب، وأنه لم يقرر بعد عودة الغزيين إلى منازلهم. وقال إنه لا عودة إلى شمالي القطاع، "لا عن طريق شارع صلاح الدين، ولا عن طريق شارع الرشيد (البحر)".
منع العودة
عند شارع الرشيد، وتحديداً الناحية الشمالية من المنطقة المحاصرة، شعر الغزيون الذين كانوا يقفون على بعد كيلومتر من الحواجز الإسرائيلية وهم ينتظرون ذويهم، بالحسرة، كحال علاء البرعي (39 عاماً) الذي غادرت زوجته مدينة دير البلح، حيث نزحت مع طفليه لتعود إليها مكسورة الخاطر بسبب عدم قدرتها على الوصول إلى الشمال، وقد مضى على عدم رؤيتها زوجها أكثر من ثلاثة أشهر.
يقول البرعي لـ"العربي الجديد": "أشتاق لابني خليل (13 عاماً) الذي يحمل اسم والدي، وقد استشهد خلال حصارنا في مدينة غزة، وابنتي سارة (7 سنوات). عشت الجوع والمرض والألم بسبب غيابهم. رأيت الموت مرات عدة. خلال انتظارهم، شعرت بالسعادة، إلا أن الأمل لم يتحقق". يضيف: "مصيرنا الموت، حتى لو بعد حين. أريد فقط رؤية ولدي. خلال القصف والحصار الذي عشناه في مدينة غزة، كنت أدعو الله أن أراهما قبل الموت. عشت فرحة لوقت قصير لكنني خذلت، فيما عادت زوجتي بحسرتها إلى حياة التهجير. تقول لي إن البقاء في مدينة غزة والجوع أشرف بكثير من حياة التهجير والذل الذي تعيشه في إحدى المدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)".
من جهته، أصيب سامح العجل (15 عاماً)، وهو الشقيق الأصغر لمحمود العجل (31 عاماً) الذي كان يرافقه، أثناء محاولتهما دخول منطقة وادي غزة. ويشير إلى أن إطلاق النار كان عشوائياً وقد استشهدت فتاة على مقربة منهما، وكان أحد المصابين يحمل كيس حفاضات امتلأ بالدماء.
يقول لـ"العربي الجديد": "حاولنا العودة إلى منازلنا لتحقيق عدالة السماء، لكن الاحتلال أراد قتلنا. وبالفعل، قتل وأصاب البعض. لكن كل هذا لن يمنعنا من العودة إلى منازلنا، لتعزيز صمودنا الأبدي فيها ونمنع مخطط احتلال غزة. كما أن بقاءنا على مقربة من منازلنا أفضل بكثير من حياة التهجير. نسمع عن الجوع الموجود في غزة وانتشار الأمراض، ومع ذلك نريد أن نكون فيها". أراد الغزيون ممن عادوا معرفة مصير منازلهم، فمنهم من لم يعرف شيئاً عنها منذ أشهر، فيما سارع آخرون إلى العودة بعد عملية مجمع الشفاء الطبي وهدم عدد كبير من المباني المحيطة غرب المجمع ومبان في حي الرمال وحي النصر، كحال العجل. يقع منزله شرق حي النصر وقد بناه قبل عامين من العدوان فقط.
يضيف العجل: "كنا نتصل بالكثير من أقاربنا في مدينة غزة وقد تجهزوا لاستقبالنا. كان بعضهم يقف على بعد كيلومتر من الحاجز وكان لدينا أمل كبير، لكن الاحتلال أحبطه مجدداً. علماً أننا لا نشكل خطراً على أحد. نريد رؤية منازلنا وممتلكاتنا. نذهب من موت إلى موت. كنا نعتقد أن السماح بدخولنا هو إشارة على انتهاء العدوان، لكن شقيقي مصاب الآن في ساقه، وقد أخبرنا الطبيب أنه قد تبتر في حال عدم حصوله على العلاج المناسب".
مصير مجهول
نجحت عائلة نعمة تايه (40 عاماً)، وهي من سكان بلدة جباليا، من الدخول إلى شمال القطاع عند الساعة السابعة والنصف من صباح الأحد. لم يكن هناك جنود إسرائيليون عند الحاجز. تابعوا السير وهم يشعرون بقلق كبير، لكنهم استطاعوا الوصول إلى منازلهم.
وعن سبب العودة إلى منطقة محاصرة تواجه صعوبة في إدخال المعونات، تقول "في كل مرة، تدخل قوات الاحتلال مكاناً مختلفاً في قطاع غزة. دخلت مدينة خانيونس وأحرقت المنازل بسُكانها ودمرت وانتهكت كل شيء. تركت الجثامين على الأرض وتحول بعضها إلى هياكل عظمية، ودفن الناس في مقابر جماعية. رغم كل ذلك، نريد العودة لتعرف الأجيال الجديدة التي ستأتي بعدنا أننا عدنا إلى بيوتنا ولم نبع فلسطين".
وتوضح أنهم لم يبلّغوا بأيّ قرار، باستثناء أن بعض العائلات تمكنت من الدخول. لكنها تشير إلى أنه لدى سماعها بالقصف سارعت للاطمئنان على بقية أفراد أسرتها، وكانت قد سمعت أن بعض العائدين وصلوا إلى الشمال شهداء أو جرحى.
وتنقل عن شقيقتها إسراء التي عادت بدورها، أن الاحتلال سمح للأطفال دون الـ14 عاماً والنساء وكبار السن بالعودة، مضيفة أنهم تجاوزوا حاجزاً وفحصاً أمنياً، وكان هناك جندي يتحدث العربية وينظم عملية العودة. لكن عند الساعة 11 ونصف، تغيرت الصورة تماماً. وتقول إسراء إن مئات النساء والأطفال وحتى كبار السن عادوا إلى شمال غزة منذ الساعة السابعة صباحاً، ولم تكن هناك آليات عسكرية كثيرة حينها. كانت ترغب في العودة لتفقد إذا ما كان البيت لا يزال صامداً في بلدة بيت لاهيا، بعدما كان كثيرون قد أكدوا لها أنه لم يصب بأذى. حين عادت، وجدت أنه تضرر جراء القصف، لكنها أقامت في غرفة مطلة على الشارع بدت أفضل حالاً من بقية الغرف.
تضيف إسراء في حديثها لـ"العربي الجديد": "لدى الناس الكثير من التساؤلات. اتصلنا بأقارب لنا يتواجدون في دير البلح وأخبرناهم بما حصل معنا. الحذر واجب. كنا نشعر أنه سيتم الغدر بنا للأسف. الكثير ممن عادوا معنا وجدوا منازلهم مدمرة، وقد ذهب البعض للجلوس في مدارس تابعة لأونروا وآخرون في مدارس حكومية. لكن البقاء قرب منزل مدمر أفضل من التهجير في الجنوب".
إلى ذلك، أدان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان استهداف جيش الاحتلال الإسرائيلي آلاف الفلسطينيين المهجرين قسراً لدى محاولتهم العودة إلى بيوتهم في مدينة غزة وشمالها، وعلى نحو مباشر بالقذائف المدفعية والرصاص الحي، ما أدى إلى وقوع العشرات من الشهداء والجرحى، منهم نساء وأطفال. وقال إن جيش الاحتلال ارتكب يوم الأحد ما قد يُشكل جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، من خلال تعمّد توجيه هجمات ضد المدنيين، وقتل وإصابة العشرات منهم عمداً، والاستمرار في تنفيذ جريمة التهجير القسري ضد الفلسطينيين وترسيخها، من خلال منع المدنيين النازحين قسراً من العودة. أضاف أن الجرائم الخطيرة التي ينفذها جيش الاحتلال، خاصة جريمة التهجير القسري، تهدف إلى تدمير حياة الفلسطينيين في قطاع غزة.