من يعوِّض السنوات الضائعة؟

24 أكتوبر 2022
أضرار التعليم عن بعد أكبر من فوائده (حسين بيضون)
+ الخط -

تتفق كل التقارير الأممية مع الدعوات الدولية والعربية والمحلية على القول إن هناك فاقداً تعليمياً فادحاً حدث خلال السنوات الثلاث الماضية جرّاء وباء كورونا، بما يمثل من خسائر صافية طاولت المتعلمين في عموم المراحل من دون استثناء. إذ إن انشغال العالم بالوباء قاد إلى تراجع في دور التعليم ودافعيته لدى أجيال متعددة. بما أنّ الهم الأساسي للأسر والدول لم يعد أكثر من الحفاظ على السلامة العامة، والنفاذ من شباك الجائحة.

لذلك، كانت الدعوات للعودة إلى التعليم الصفي خلال المحنة، تصطدم تارة برفض الهيئة التعليمية لهذه العودة، وتعريضهم بالتالي للعدوى وخطر الإصابة بالوباء، وطوراً بإصرار الأهل على عدم ارسال أبنائهم وبناتهم إلى المدرسة أو الجامعة كبيئة مكتظة مثالية لانتشار المرض. 
بالطبع هناك العديد من المجتمعات تعاني وعانت من مضاعفات إضافية. فمثلاً، تبين أن رفض أفراد الهيئات التعليمية في لبنان التوجه نحو المؤسسات التعليمية لممارسة مهامهم، رغم تنبيهات وزارة التربية، يرتبط بالارتفاع الحاد لأسعار المحروقات، ما يجعلهم ينفقون على المواصلات أكثر مما يحصلون عليه من رواتب وأجور، باتت زهيدة، بل ورمزية، نظراً لانهيار سعر صرف الليرة أمام الدولار.

وهكذا بات من المتعذر عليهم بلوغ مقاصدهم. أما بدلات النقل التي يحصلون عليها، فقد أصبحت اسمية مقارنةً بما وصلت إليه الكلفة الفعلية. هذا عدا عن أن المتعاقدين منهم، الذين لا يدخلون في الملاك، لا يتقاضون هذه البدلات. في مجتمعات عربية أخرى حدث ما يشابه لأسباب متعددة.  
الجانب الموازي هو أن التعليم عن بُعد، حتى في الدول التي تملك مقوماته البشرية وموارده التقنية، لا يمكنه أن يضاهي ما يحققه التعليم المباشر من نواتج ناجمة عن العلاقة التي تنهض داخل البيئة المدرسية، وما تتيحه للتلامذة والطلاب من تفاعل مع أساتذتهم من جهة، ومع بعضهم من جهة ثانية. فقد ثبت أن الكلفة التي دفعها التلامذة والطلاب مع امتناعهم عن التعلّم الحضوري، فادحة إلى الحد الذي يتطلب تقليص آثارها جهوداً مضنية. يضاف إليها، كما سبق وأشرنا، مجمل ما أصاب ويصيب الاقتصاد الوطني من خسائر تقدر بمليارات الدولارات.

موقف
التحديثات الحية

إذاً تبين أن إعادة فتح المدارس أولوية قصوى وعاجلة على مستوى العالم، وليس فقط على صعد وطنية أو إقليمية. وهو ما من شأنه أن يوقف الخسائر التي تعرّض لها قطاع التعليم، وعكس مسارها، وهو ما شهده القسم الأخير من العام الدراسي 2021 – 2022 عندما عادت المؤسسات التعليمية لفتح أبوابها أمام أساتذتها وطلابها.

لكن ما لاحظته الإدارات أن التراخي والحذر اللذين طبعا بداية العام ما زالا مخيمَين على الأجواء التعليمية والأنشطة الأكاديمية. ومردّ مثل هذا الوضع لا يرتبط بسلسلة الأزمات التي تعيشها كل مؤسسة أو دولة على حدة، بل إن العودة إلى ما كان سائداً من أنماط في التعليم لم يترافق مع خطط وبرامج تضعها الدول والمؤسسات للتعافي، بما يضمن أيضاً إعادة تأهيل نفسي للتلامذة والطلاب للخروج من أجواء المحنة، كما يحدث في أعقاب الحروب.

وهذا من شأنه أن يضمن حصول طلاب هذا الجيل على الكفاءات نفسها على الأقل التي حصل عليها الجيل السابق، وأن تغطي تلك البرامج ثلاثة أهداف رئيسية، هي: تعزيز المناهج، وتمديد وقت التدريس، وتحسين فاعلية التعلّم. لكن هذه الأقانيم الثلاثة التي دعا إليها تقرير المؤسسات الدولية (البنك الدولي والأونيسكو واليونيسف) لم تُلتزَم وتُنفَّذ، وبالتالي استمرّ الخلل مهيمناً.


(باحث وأكاديمي) 

المساهمون