بعد مرور أكثر من عامين على ظهور فيروس كورونا في الصين وإحصاء ما لا يقل عن 6.3 ملايين حالة وفاة بجميع أنحاء العالم من جراء الجائحة، توصي منظمة الصحة العالمية بأقوى عباراتها حتى الآن بضرورة إجراء تحقيق أعمق لمعرفة ما إذا كان هناك حادث مختبر قد يلقى باللوم عليه في تفشي الفيروس.
يُمثل هذا الموقف تراجعاً شديداً عن التقييم الأولي لمنظمة الصحة التابعة للأمم المتحدة في ما يتعلق بأصل الجائحة، ويأتي بعد أن اتهم العديد من المنتقدين منظمة الصحة العالمية بالتسرع في رفض أو التقليل من شأن نظرية التسرب المختبري التي وضعت المسؤولين الصينيين في موقف دفاعي.
خلصت منظمة الصحة العالمية العام الماضي إلى أنه "من غير المحتمل للغاية" أن يكون كوفيد-19 قد تسرب إلى البشر في مدينة ووهان من مختبر.
يعتقد العديد من العلماء أن الفيروس انتقل إلى البشر من الخفافيش، ربما عن طريق حيوان آخر.
بيانات مفقودة
مع ذلك، وفي تقرير صدر الخميس، قالت مجموعة من خبراء منظمة الصحة العالمية إن "بيانات أساسية" لشرح كيف بدأت الجائحة لا تزال مفقودة.
وأوضحت أن التحقيق الأخير الذي أجرته حول منشأ كوفيد-19 لم يتوصل إلى نتائج حاسمة، وذلك يرجع إلى حد كبير لنقص البيانات الواردة من الصين، في ضربة جديدة لجهود مستمرة منذ سنوات لتحديد كيف نشأ الوباء.
أفاد التقرير الصادر عن لجنة خبراء من منظمة الصحة بأن جميع البيانات المتاحة أظهرت أن فيروس كورونا الذي يسبب مرض كوفيد-19 ربما قد انتقل من الحيوانات، وعلى الأرجح الخفافيش، وهي نتيجة مشابهة لنتائج جهود سابقة بذلتها المنظمة في عام 2021 في أعقاب زيارة للصين.
ويعني نقص البيانات، خاصة من الصين التي تم فيها اكتشاف حالات الإصابة الأولى بالمرض في ديسمبر/ كانون الأول 2019، استحالة تحديد كيفية انتقال الفيروس لأول مرة إلى البشر.
وستضفي هذه النتائج طابع الاستعجال على جهود إصلاح منظمة الصحة العالمية وإجراءات الطوارئ الصحية الخاصة بها، إذ تسعى المنظمة جاهدة لإعادة تأكيد مكانتها بعد سنوات من الانتقادات بشأن طريقة أسلوب تصديها للوباء.
وضع آليات أفضل للتحقيق
وتقول المنظمة إن التقرير الأولي، وهو الأول من بين عدة تقارير متوقعة من اللجنة، يدور أيضاً حول وضع آليات أفضل للتحقيق في مسببات تفشي الأمراض في المستقبل.
وأظهر التقرير أن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس أرسل طلباً إلى الحكومة الصينية مرتين في فبراير/ شباط هذا العام سعياً للحصول على مزيد من المعلومات، لكن القائمين على التقرير قالوا أيضاً إن الصين قدمت بعض البيانات عند طلبها.
واتخذ التحقيق في منشأ الوباء طابعاً سياسياً. ويقول العلماء إن من المهم تحديد ما حدث لمنع تفشي أوبئة مماثلة.
لكن الفريق في اللجنة، المعروفة باسم المجموعة الاستشارية العلمية الدولية لأصول مسببات الأمراض المستحدثة (ساجو)، قال إنه لا يزال من المستحيل القيام بذلك بسبب نقص البيانات. وأضاف أن هناك "تحديات معترفاً بها" في التحقيق "بعد هذا الوقت الطويل من بدء التفشي"، إلا أن عملهم سيستمر بالرغم من ذلك.
وقالت رئيسة الفريق التقني المعني بكوفيد-19، ماريا فان كيرخوف، في إفادة صحافية "كلما استغرق الأمر وقتاً أطول، أصبح أكثر صعوبة"، مضيفة أن المنظمة ستدعم جميع الجهود الجارية للتوصل إلى فهم أفضل حول نشأة الوباء.
ومضت قائلة "نحن مدينون بهذا لأنفسنا، ومدينون للملايين الذين لاقوا حتفهم ومليارات الأشخاص الذين أصيبوا".
فرضية التسرب من المختبر
وفي انعكاس للجدل السياسي الذي شاب عملية الصياغة، اشتمل التقرير على ملاحظة هامشية توضح اعتراض أعضاء اللجنة من البرازيل والصين وروسيا على وجود حاجة إلى مزيد من الدراسات حول "فرضية المختبر"، وإشارتهم إلى عدم حدوث تغيير منذ صدور تقرير سابق مشترك لمنظمة الصحة والصين عن منشأ المرض، نُشر في مارس/ آذار 2021.
يتضمن أحدث تقرير أيضاً إطار عمل لتحديد منشأ تفشي الأمراض في المستقبل، وهو ما قالت المنظمة إنه الهدف المحوري للجنة، وليس استخلاص النتائج بشأن كوفيد-19.
كما قال العلماء إن المجموعة "ستظل منفتحة على أي وجميع الأدلة العلمية التي ستتوفر في المستقبل للسماح بإجراء اختبار شامل لجميع الفرضيات المعقولة".
عادة ما يستغرق تحديد مصدر المرض في الحيوانات سنوات. واستغرق الأمر أكثر من عقد حتى تمكن العلماء من تحديد أنواع الخفافيش التي كانت المستودع الطبيعي لفيروس سارس، وهو من عائلة كوفيد-19.
أشارت مجموعة خبراء منظمة الصحة العالمية أيضاً إلى أنه نظراً لأن حوادث المختبرات في الماضي تسببت في بعض أوجه التفشي، فلا يمكن استبعاد النظرية المسيسة للغاية.
اتهامات لمنظمة الصحة
من الممكن أن يحيي التقرير الاتهامات بأن منظمة الصحة العالمية كانت في البداية قبلت بشكل مفرط تفسيرات الحكومة الصينية في وقت مبكر من تفشي المرض، ما أدى في نهاية المطاف إلى وفاة ملايين الأشخاص وإصابة ملايين آخرين، وإجبار عشرات البلدان على الإغلاق، وتضرر الاقتصاد العالمي.
كانت تحقيقات أجرتها "الأسوشيتدبرس" خلصت إلى أن بعض كبار مسؤولي منظمة الصحة العالمية أصيبوا بالإحباط بسبب الصين خلال تفشي المرض الأولي حتى مع ثناء منظمة الصحة العالمية على الرئيس الصيني شي جين بينغ. كما أنهم كانوا مستائين من الطريقة التي سعت بها الصين إلى تضييق الخناق على البحث في أصول كوفيد-19.
كان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قد تكهن مراراً - دونما دليل - بأن كوفيد-19 بدأ في مختبر صيني. كما اتهم منظمة الصحة العالمية بـ "التواطؤ" مع الصين للتستر على تفشي المرض الأولي، مستشهداً بالثناء العلني المستمر من منظمة الصحة العالمية على بكين رغم رفضها مشاركة بيانات مهمة.
(أسوشييتد برس، رويترز)