بعد نحو عام ونصف عام من ظهور فيروس كورونا الجديد الذي تسبّب في الجائحة الكبرى التي تضرب العالم اليوم، ما زال كثيرون يتساءلون حول منشئه، كأنّهم لم يقتنعوا بما خلص إليه فريق الخبراء الذي انتدبته منظمة الصحة العالمية إلى مدينة ووهان الصينية للتحقيق في هذه المسألة. وكان الفريق قد استبعد، إلى جانب خبراء صينيين، أن يكون الفيروس قد تسرّب من مختبر.
وبعد نحو شهرَين من صدور تقرير خبراء منظمة الصحة العالمية والخبراء الصينيين، استبعد كبير خبراء الأمراض المعدية في الولايات المتحدة الأميركية، أنتوني فاوتشي، من جهته، فرضيّة المنشأ المختبري لفيروس كورونا الجديد، لكنّه دعا في الوقت نفسه إلى تحقيق أعمق حول أصله. يُذكر أنّ إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لم تكن تفوّت مناسبة من دون أن تشير إلى نظرية التسرّب. واليوم الأربعاء، قال فاوتشي وهو مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية الأميركي، في حديث إلى محطة "سكاي نيوز 24" الإيطالية: "لا أعرف من أين أتى هذا الفيروس التاجي... ليس بعد. ليس من المختبر ربّما، لكنّنا في حاجة إلى تحقيق أعمق لمعرفة ما هو بالتحديد".
وكانت مجموعة من الباحثين البارزين قد طالبت في رسالة نشرتها دورية "ساينس" العلمية أخيراً بإجراء تحقيق جديد بشأن كلّ الأصول المحتملة لفيروس كورونا الجديد، ودعت الصين إلى فتح كلّ سجلاتها لإجراء تحقيق مستقل. وقد رأى علماء وخبراء الأوبئة العالميون ضرورة تشكيل بعثة جديدة إلى الصين لمعرفة ما إذا كان الفيروس قد خرج من مختبر في مدينة ووهان التي سُجّلت فيها أولى الإصابات، مشدّدين على ضرورة عدم إهمال هذه الفرضية. تجدر الإشارة إلى أنّ العلماء والخبراء عموماً كانوا يستبعدون حتى وقت قريب فكرة أن يكون الوباء قد تسرّب من مختبر، مشيرين إلى أنّ كل حديث عن هذا الأمر يدخل ضمن إطار "نظريات المؤامرة".
من جهتها، تحفّظت المفوضية الأوروبية على التعليق على تلك المطالبات بضرورة إعادة التحقيق في منشأ فيروس كورونا الجديد، على الرغم من إقرارها بضرورة العمل على توضيح كل الحقائق بشأنه، وذلك على لسان المتحدث باسم المفوضة الأوروبية المكلفة شؤون الصحة ستيلا كرياكيدس، ستيفان دو كيرزماكر الذي علّق على الرسالة المذكورة آنفة. وشدّد دو كيرزماكر على أهمية معرفة أصل الفيروس لتطوير العلاجات واللقاحات اللازمة للتصدّي له، بالتالي "نحتاج إلى فهم أفضل للأمر". وجدّد دعم الاتحاد الأوروبي لعمل منظمة الصحة العالمية، متجنباً التعليق على البعثة التي أرسلتها إلى ووهان للتحرّي عن أصل الفيروس، والتي وُصفت من قبل العلماء والخبراء موقّّعي الرسالة بـ"غير الكافية".
وكان المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، قد صرّح عند صدور تقرير خبراء المنظمة والخبراء الصينيين في ووهان، بأنّ الفرضيات حول منشأ فيروس كورونا الجديد تبقى مفتوحة وتحتاج إلى مزيد من الدراسات. وكان التقرير المشترك قد رجّح انتقال الفيروس إلى الإنسان عبر حيوان وسيط (لم يُحدّد بعد) سبق أن انتقلت إليه العدوى من خفّاش، مشيراً إلى أنّ هذه الفرضية "محتملة إلى محتملة جداً" في مقابل "استبعاد تام" لفرضيّة تسرّب الفيروس من مختبر على خلفيّة حادثة. كذلك لم يستبعد الخبراء فرضية الانتقال عبر اللحوم المجلّدة والتي ترجّحها بكين. وفي حين توقّع كثيرون أن يحلّ التقرير لغز منشأ الفيروس، فإنّه اكتفى بالتشديد على ضرورة إجراء تحقيقات أخرى تشمل نطاقاً جغرافياً أوسع في الصين وخارجها كذلك.
(العربي الجديد، آكي)