يعج موقع محل "الإكسبرس" لصنع القهوة والنسكافيه الخاص بمنال الجسيم بالمارة. اعتاد الزبائن عليه في الموقع الذي اختارته بنفسها في محلة سينيق، التي تعتبر صلة وصل بين صيدا وبقية الجنوب اللبناني. وقد اختارت المكان باعتباره حيوياً، وقريباً من مكان إقامتها في بلدة مغدوشة التي تطل على مدينة صيدا.
تقول منال: "لم أتابع تعليمي بعدما أنهيت مرحلة التعليم الثانوي بسبب ظروف خاصة، لكنني لم أستسلم، وقررت ألا أبقى في البيت، وأن أخوض معترك العمل حيث التحقت بقهوة تعلمت وتدربت فيها خلال سنتين على مهنة تشغيل ماكينة الإكسبرس. ولم يكن هذا العمل سهلاً بالنسبة لي، لكني أحببته، وكونت فكرة عن كيفية إعداد القهوة والنسكافية على هذه الماكينة".
تتابع: "بعد مرور سنتين تشاجرت مع صاحب المحل وتركت العمل. وبعد مضيّ شهرين أخبرت أختي التي أقيم في منزلها بمغدوشة، بأنّني أفكر بفتح محل خاص بي لبيع القهوة والنسكافيه، من دون أن أملك أي مبلغ مادي في جيبي، فتساءلت أختي حينها عن إمكان نجاحي في هذا العمل، ثم نفذت مشروعي بعدما استدنت مبلغاً مالياً، واستأجرت محلاً على الشارع العام في منطقة سينيق، لأنّني أعلم أنّ المكان حيوي، واشتريت المعدات اللازمة والبضاعة. وخلال شهر واحد من العمل رددت المال الذي استدنته".
تضيف: "اعتقد كُثر بأن خطوتي الأولى كانت مغامرة كبيرة، لكنني كنت على يقين بأنني سأنجح، وأن زبائن المحل الذي كنت أعمل به كلهم يعرفونني ويقدرونني، وسيشترون مني حين أفتح المحل الذي قررت أن أستمر فيه بعدما تعبت من العمل لدى الآخرين. وبالفعل استطعت أن أنجح".
وتشرح أن "صعوبة الخطوة تمثلت في أن هذا العمل يقوم به عادة رجال وليس نساء. وعندما افتتحت المحل تعرضت لتنمر من العديد من الناس، وتحديداً من رجال استغربوا هذا الأمر، لكني أحب هذه المصلحة، ولم أعر أي اهتمام لكل ما يقال، فأي عمل ليس حكراً على أحد، لا على الرجال ولا على النساء. وإذا وجد المرء أنّه يستطيع القيام به فيجب أن ينفذه، لذا تحديت الواقع وعملت بقوة كي أثبت نفسي، وأعمل في هذا المحل منذ ست سنوات".
عن الصعوبات التي تواجهها في عملها، تقول: "أواجه اليوم تحدياً كبيراً على صعيد الأسعار. فعندما افتتحت المحل كانت الأسعار مختلفة، وقد خفت أن يتغير الوضع مع تدهور سعر صرف الدولار الذي رفع الأسعار بشكل جنوني، علماً أنني أشتري بضاعتي بسعر صرف الدولار الحالي في السوق السوداء، لكن زبائني ظلوا هم أنفسهم ولم يتغيروا، ولم يمتنعوا عن شراء القهوة والنسكافيه".
وعن دافعها للعمل، قالت: "من الطبيعي أن يكون لكل إنسان استقلاله المادي، لذا قررت أن أعمل وألا أثقل أهلي بالمصاريف، أو أطلب مبلغاً مادياً من أي شخص لأنفقه على نفسي، فهناك مصاريف خاصة لكل شخص، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة في لبنان التي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم".
استطاعت منال أن تثبت نفسها في عملها، وهي تشعر اليوم بأنّها تملك استقراراً مادياً، علماً أنّ عملها متعب، وتقول: "دوامي طويل، ففي الصيف أفتح المحل من الساعة السادسة صباحاً حتى الثامنة مساء، أما في الشتاء فأبقى حتى الساعة الخامسة، ما يعني أنني ألازم المحل طوال النهار من دون أن أملك الوقت لزيارة أهلي ورؤيتهم، فأنا أجهز المحل وأنظفه وأشتري مستلزمات واحتياجات تشغيله، كما أعمل على ماكينة الإكسبرس وأبيع للزبائن، ومحلي دائماً مليء بالزبائن، ولا أحد يساعدني".
وتتوجه منال إلى النساء بالقول: "يجب أن تخطو كل امرأة خطوتها بجرأة كبيرة في سبيل تحقيق أهدافها، وأن تقوم بالعمل الذي ترغب به، فلا أعمال معيبة، وكلها نافعة ما دامت تسمح بتعزيز الوضع المادي وتأمين الاستقلال الذاتي، وهذا أمر مهم جداً في هذه الظروف الصعبة".
تتابع: "رغم مرور ست سنوات على فتح المحل لا يزال العديد من الأشخاص يستغربون موضوع عملي، ويحاولون إحباطي. في المقابل، يشجعني أشخاص آخرون على البقاء في عملي والاستمرار به، علماً أن من يتنمرون علي هم أشخاص يشعرون بضعف أمام نجاحي".
وعن زبائنها، تقول: "لقد اعتادوا عليّ، لذا أعمل بنفسي على الماكينة، وأخشى إذا وظفت أحداً للعمل معي ألا يستطيع النجاح في العمل، لأنني صرت معتادة على الزبائن، وأعرف ما يريدونه، وماذا يشربون".
أما الحلم الذي يراود منال اليوم فهو أن تملك قهوة كبيرة، لكنها تعتبر أنه يصعب تحقيق ذلك، لكنّها سعيدة بنجاحها في عملها، وبتحقيق اسم لها في السوق، بدليل أنّ زبائن كُثراً يرتادون محلها.