مليشيات مسلحة تمنع عودة جميع نازحي ديالى إلى ديارهم

22 فبراير 2024
عودة العائلات النازحة إلى مناطقهم بعد تهجير قسري (وزارة الهجرة والمهجرين العراقية/فيسبوك)
+ الخط -

شهدت محافظة ديالى شرقي العراق، أمس الأول الثلاثاء، عودة جزئية للعائلات النازحة من قرى "نهر الإمام"، ومحيطها والتي هُجر سُكانها قسرا في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، على يد مليشيات مسلحة، ومنعوا من العودة إلى مناطقهم طيلة الفترة الماضية.

وزارة الهجرة العراقية أعلنت الثلاثاء الماضي، عن عودة 400 عائلة من قرى نهر الإمام في محافظة ديالى، وقالت في بيان إن "ما يقارب 400 أسرة نازحة عادت إلى مناطق سكناها الأصلية في قرية نهر الإمام شرق قضاء المقدادية بمحافظة ديالى، بعد رحلة نزوحهم منذ أكثر من عامين".

وبينت أن العودة جاءت بالتعاون مع الحكومات المحلية والأجهزة الأمنية المختصة بعد تهيئة جميع الظروف المناسبة للأسر في القرية والمناطق المجاورة لها.

تعود عملية التهجير القسري لسكان قرى نهر الإمام والميثاق الأولى والثانية والهواشة (يسكنها عرب سُنة) التابعة لقضاء المقدادية إلى نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2021، عندما هاجم مسلحون من داعش قرية الرشاد (يسكنها عرب شيعة)، وقتلوا 14 شخصا، وردا على ذلك هاجمت مليشيات مسلحة متنفذة قرية نهر الإمام المجاورة لها، وقامت بعمليات إعدام ميدانية لـ 12 شخصا داخل منازلهم بينهم سيدة وطفل، كما أحرقوا مركزا صحيا ومسجدا وعددا كبيرا من المنازل والبساتين، قبل أن تقوم بتهجيرهم قسرا من منازلهم وترك القرية.

 

من يمنع نازحي ديالى من العودة إلى منازلهم؟

مصدر حكومي في محافظة ديالى أعلن أن عودة النازحين إلى قرى نهر الإمام والميثاق الأولى والثانية جاءتا بعد ضغوطات من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني منذ العام الماضي لحسم هذا الملف.

وقال المصدر لـ"العربي الجديد"، إن "العودة شملت فئة من النازحين من تلك القرى فيما بقي نحو نصف العائلات على الرغم من تدقيقهم والتأكد من سلامة موقفهم الأمني"، وأوضح أن الفترة الماضية كانت فصائل مسلحة متنفذة في ديالى تمنع عودة هذه العائلات، مبينا أن العودة لم تحصل لولا موافقتها، وأضاف: أن "قيام الفصائل برفع الحظر عن تلك العائلات والسماح لها بالعودة جاء بناء على ضغط من رئيس الوزراء من جهة، وتوافقات بين جهات سياسية وبتنسيق مع منظمة (بدر) بزعامة هادي العامري، والتي لا تزال تسيطر على المشهد الأمني والسياسي والإداري في ديالى".

وأكد أن عودة نازحي قرى نهر الإمام ومحيطها لا تعني نهاية أزمة النزوح في ديالى، فآلاف العائلات ما تزال خارج مناطقها لأسباب طائفية وسياسية وخدمية ومادية تتعلق بملف التعويضات، مشددا على أن فصائل مسلحة متنفذة ما تزال تمنع عودة نازحي العديد من المناطق والقرى في بعقوبة، والمقدادية والخالص والسعدية".

ولا توجد إحصائية رسمية بعدد النازحين في ديالى، لأن المسجلين في سجلات وزارة الهجرة والمهجرين يقتصرون على سكاني المخيمات، بينما أغلب نازحي ديالى لجأوا إلى مناطق أخرى أو محافظات عراقية أو في إقليم كردستان، ويتوزعون في مخيمات إقليم كردستان وأغلبهم في محافظة السليمانية، فيما يوجد آخرون في مخيمات محافظة أربيل.

غياب الإرادة السياسية

عضو البرلمان عن محافظة ديالى رعد الدهلكي، استبعد طي صفحة النزوح في ديالى وعموم العراق، على الرغم من العودة الجزئية للنازحين، وذلك لغياب الإرادة السياسية الحقيقة على ذلك"، وفقا لقوله.

الدهلكي قال لـ"العربي الجديد"، إن "رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قدّم برنامجاً حكومياً تضمن عدة بنود تخص المناطق السنية ومنها إعادة النازحين وإصدار العفو العام وإخراج الحشود من المدن والكشف عن مصير المغيبين وتعويض المتضررين، وتلك البنود وردت جميعا في وثيقة الاتفاق السياسي التي وقع عليها داخل ائتلاف إدارة الدولة".

وأضاف: أن "البنود الموقع عليها والوعود التي أطلقت في البرنامج الحكومي لم تنفذ على أرض الواقع، وما تحقق منها لغاية الآن هو تقديم الحكومة لقانون العفو إلى مجلس النواب والذي يتضمن إعادة تعريف المتورط بالجرائم الإرهابية".

وشدد الدهلكي على أن فقرات البرنامج الحكومي تحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية وتنفيذ عاجل من رئيس الوزراء كملف إعادة النازحين الذي يتطلب تشريع قانون في البرلمان كما هو شأن قانون العفو".

الخبير القانوني وعضو مفوضية حقوق الإنسان سابقا، علي البياتي، أكد استمرار ملف النزوح في محافظة ديالى رغم الإعلانات الحكومية عن إنهائه، كاشفا عن جملة أسباب تقف وراء تأخر عودة النازحين، تتخلص في المشاكل الأمنية، والسياسية، والاقتصادية، والخدمية.

وقال البياتي في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "أبرز المشاكل التي تعترض ملف النازحين تتمثل في العوامل الأمنية وعدم وجود إجراءات حقيقية لفرض الأمن في المحافظة، كما أن المحافظة تفتقر إلى الدعم الحكومي للنازحين وملف إعادتهم لمناطقهم وذلك يرجع إلى عوامل سياسية، وسوء الإدارة والفساد المالي والإداري".

وأضاف أن "الدمار الذي حلّ بمساكن الكثير من العائلات ولا سيما في مناطق القتال في ناحية السعدية وجلولاء يمثل سببا آخرا في تأخر عودة النازحين، فضلا عن غياب مصادر العيش وفرص العمل ونقص الخدمات كلها عوامل تساهم في بقائهم خارج مناطق سكناهم الأصلية طيلة هذه السنوات".

وشدد البياتي على ضرورة حسم ملف النزوح بشكل حقيقي في محافظة ديالى لأنها أولى المناطق التي أنهي ملف الإرهاب فيها وفرضت القوات الأمنية السيطرة عليها.

تغيير ديمغرافي

المستشار القانوني للمركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب، أسلم الشمري، قال في حديث مع "العربي الجديد"، إن "العودة الأخيرة لنازحي قرى نهر الإمام والهواشة والميثاق الأولى والثانية كانت محدودة وشملت أقل من 100 عائلة فقط بينما بقيت أكثر من 400 عائلة نازحة من تلك المناطق لغاية اللحظة".

وشدّد الشمري على ضرورة أن تبادر السلطات الحكومة إلى تأمين العائلات العائدة بعيدا عن التجاذبات السياسية والحزبية، كما أكد ضرورة تدخل المجتمع الدولي لحماية المدنيين في ديالى وإنهاء نفوذ الجهات المسلحة وإرجاع النازحين إلى ديارهم.

لا حلول قريبة 

من جهته يرى الباحث في الشأن السياسي العراقي، نظير الكندوري، أن عودة النازحين إلى قرى نهر الإمام هي خطوة في طريق إنهاء هذا الملف الإنساني المؤلم ونأمل أن تأتي بعدها خطوات جادة لطيه بشكل كامل، لكنه شكك في قدرة السلطات العراقية على وضع نهاية وشيكة له، وذلك لأن أسباب نزوح هذه العوائل ما زالت قائمة، ولم يتم وضع حدٍ لها.

وقال الكندوري في حديث لـ "العربي الجديد"، إن "الخروقات الأمنية كما حصل في قرى نهر الإمام وما يرافقها من تهجير للسكان السنة، من الممكن أن تتكرر مستقبلا، طالما لم تُحل المشكلة الأساسية، وهي السيطرة على المليشيات والمجاميع المسلحة الخارجة على القانون، التي تتصرف وكأنه لا وجود للقانون ولا للدولة".

وأضاف: أن "هذا الأمر ينطبق أيضًا على مناطق أخرى في محافظة ديالى وصلاح الدين ومنطقة جرف الصخر بمحافظة بابل، فهذه المليشيات والمجاميع المسلحة، تتخذ من المناطق التي أُخليت من أهلها، مقرات لها أو الاستفادة من أراضيها بهدف إحداث تغيير ديمغرافي يصب في خدمة أجندتهم".

وأشار الباحث العراقي، إلى أن الأعذار التي تسوقها السلطات الأمنية العراقية، من أنها غير قادرة على توفير الأمن للعوائل النازحة تنفيها الوقائع، حيث إن الأجهزة الأمنية منتشرة في كل تلك المناطق ولديها القدرة على منع أي خرق أمني.

المساهمون