تبدأ ولاية بايدن، بأجندة حافلة جداً في الشأن الاجتماعي بمختلف تفرعاته، لا سيما أنّه يباشر مهامه في ظلّ كورونا، وعقب مرحلة تشدد مثلها ترامب
يموت نحو ثلاثة آلاف شخص يومياً، منذ بداية ديسمبر/ كانون الأول الجاري، في الولايات المتحدة، من جراء الإصابة بفيروس كورونا الجديد. أما عدد الوفيات الإجمالي فقد تجاوز 311 ألف وفاة موثقة منذ بداية فبراير/ شباط الماضي. ووصل عدد الإصابات إلى أكثر من 17 مليوناً. أرقام مرعبة وراء كلّ منها حياة وعائلة وأحباب. وعلى الرغم من أنّ هذه الأرقام لم تولد بين ليلة وضحاها وكان لدى إدارة الرئيس الأميركي المهزوم دونالد ترامب الوقت الكافي للاستعداد بشكل أفضل، فقد اختار العكس.
في المقابل، أعلن الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، حتى قبل توليه مقاليد الحكم رسمياً في العشرين من الشهر المقبل، عن حزمة من الإجراءات التي ينوي اتخاذها لانتشال الولايات المتحدة من الوباء وتبعاته الاقتصادية والاجتماعية المدمرة على أعداد كبيرة من الأميركيين. ومن بين أولوياته خلال الأشهر الأولى من العام الجديد إتاحة اللقاح لجميع الأميركيين. واعترف بايدن بأنّ هناك عدداً من التحديات تواجه قضية اللقاح والتطعيم، من بينها لوجستيات توزيعه وتكلفته وإقناع الأميركيين بنجاعته، خصوصاً في ظلّ جو من انعدام الثقة خلقه الرئيس ترامب وإدارته واستمرار نشر الأخبار الكاذبة والمضللة حول الفيروس واللقاح. وبحسب دراسة لجامعة "جونز هوبكنز" الأميركية أجريت في 67 دولة فإنّ مستويات الثقة باللقاح في معظم الدول، بما فيها الولايات المتحدة ودول أوروبية، تصل إلى خمسين في المائة فقط بل حتى أقل. وناشد بايدن مؤخراً جميع الأميركيين الالتزام بالكمامات لمائة يوم إضافية. وسيخصص بايدن المزيد من أموال المساعدات المالية للمستشفيات الأميركية والمرافق الصحية التي ما زال يعاني عدد ملحوظ منها نقصاً في الموارد المالية، وحتى المعدات اللازمة كأجهزة التنفس الاصطناعي والعدد الكافي من مخصصات الوقاية للعاملين فيها، حتى بعد مرور نحو سنة على بدء انتشار الفيروس. كذلك، أعلن عن نيته تخصيص مزيد من الأموال لإعادة فتح المدارس بشكل آمن، مع ما في ذلك من توظيف لعدد أكبر من المدرسين، لتدريس مجموعات أصغر من التلاميذ إلى جانب عدد من إجراءات الحماية الإضافية.
وفي مجال الاقتصاد، هناك أكثر من 12 مليون أميركي عاطلون من العمل بحسب الإحصاءات الرسمية لوزارة العمل الشهر الماضي. وبحسب عدد من المراكز المختصة والمستقلة، من بينها "معهد السياسة الاقتصادية" فإنّ عدد العاطلين من العمل في الولايات المتحدة يصل إلى قرابة 30 مليوناً. وكان بايدن قد أعلن خلال حملته وبعد فوزه، عن نيته إعادة تنظيم الاقتصاد الأميركي بطريقة تصبّ في مصلحة وحقوق العمال والنساء. ووعد بالعمل على مواجهة اللامساواة الهيكلية في الاقتصاد الأميركي والتي عرّتها جائحة كورونا. كذلك، وعد بايدن بأن يربط بين مكافحة الاحتباس الحراري والتغير المناخي من جهة بتعافي الاقتصاد والاستثمار في البنية التحتية الأميركية والطاقة النظيفة من جهة أخرى. وتحدث عن نيته استثمار تريليوني دولار خلال السنوات المقبلة في هذا السياق. لكن، من غير الواضح إلى أي مدى يمكنه تحقيق ذلك خصوصاً أنّه يحتاج إلى مصادقة الكونغرس على ميزانياته. وفي حين يسيطر الديمقراطيون على مجلس النواب فإنّ مصير مجلس الشيوخ ما زال معلقاً بالهواء بسبب عدم حسم مصير مقعدين لمجلس الشيوخ عن ولاية جورجيا وإعادة عقد الانتخابات في بداية يناير/ كانون الثاني المقبل. ومن بين أولوياته خلال أول مئة يوم لتوليه الحكم إقرار حزمة مساعدات اقتصادية واسعة النطاق كما عدد من الإجراءات التنفيذية من دون أن يضطر للعودة للكونغرس للمصادقة عليها.
وفي مجال الصحة ما زال هناك أكثر من 28 مليون أميركي من دون تأمين صحي بحسب الإحصاءات الرسمية لعام 2019. وهذا يعني أنّ أعداد الأميركيين الذين ليست لديهم أيّ خطط تأمين صحي أصبحت أعلى بكثير بسبب خسارة ملايين لعملهم. وينوي بايدن الاستثمار بالرعاية الصحية بشكل أكبر وزيادة أعداد الذين يمكنهم الحصول على تأمينات صحية مدعومة من الحكومة. وعلى العكس من ترامب، الذي ترك الباب مفتوحاً على مصراعيه لسياسيي الولايات المحلية لتنظيم ذلك، إذ مُنحت شركات التأمين صلاحيات أكبر في عدد من المجالات، فإنّ إدارة بايدن تنوي تقديم رزم مساعدات أكبر وتنظيم السوق بشكل أفضل. وهذا يشمل مضاعفة الاستثمار في القطاع الصحي. كذلك، عبر عن رغبته بالعمل مع الكونغرس للتوصل لاتفاق حول خطة تأمين صحية ممولة من الحكومة الفيدرالية تسمح بالانتساب إليها بغض النظر عن الولاية. ومن المفترض أن تنافس الشركات الخاصة التي تسيطر على السوق، وتؤدي إلى تكلفة باهظة جداً لأقساط التأمين الصحي سواء للشركات أو لاشتراكات الأفراد قد تتراوح بين مئات الدولارات شهرياً، وصولاً إلى الآلاف للعائلة الواحدة فقط على مستوى التأمين الصحي. وكلّ ذلك سببه سيطرة شركات التأمين الخاصة على السوق وعدم وجود قوانين كافية تحكم عملها أو منافسة حكومية. أما عدد الذين لديهم تأمين صحي لكنّه لا يغطي بشكل كافٍ تكاليف علاجهم، فيصل كذلك إلى عشرات الملايين الإضافية. واحد من الأسباب الرئيسية لعدم حصول ملايين الأميركيين على تأمين صحي هو التكلفة الباهظة لتلك التأمينات وعدم قدرة كثير من العائلات، على الرغم من وجود شخص واحد على الأقل يعيلها، على تغطية رسوم التأمين الصحي الشهرية.
على مستوى الهجرة، يخلّف ترامب وراءه ملفاً معقداً؛ من إلغاء تأشيرات دخول أشخاص ينحدرون في أغلبهم من دول ذات غالبية مسلمة، إلى طرد أكبر عدد ممكن من المهاجرين ممن لا يحملون أوراقاً ثبوتية، إلى تخفيض عدد الذين يحصلون على لجوء في الولايات المتحدة بعشرات الآلاف سنوياً، وكذلك احتجاز الأطفال وفصلهم عن عائلاتهم والزجّ بهم في مراكز احتجاز أشبه بالمعتقلات. من جهته، وعد بايدن بالعودة لرفع عدد اللاجئين الذين يسمح لهم بالمجيء إلى الولايات المتحدة سنوياً إلى 125 ألفاً وهو أضعاف ما يسمح به حالياً تحت إدارة ترامب. كذلك سيوقف بناء الجدار على الحدود المكسيكية مع السماح بمجيء أعداد أكبر من المهاجرين إلى الولايات المتحدة. وكان ترامب قد رفض الانضمام للميثاق العالمي للهجرة الآمنة واللجوء أو حتى الانخراط بشكل جدي في المفاوضات التي جرت عام 2017 و2018 تحت مظلة الأمم المتحدة. وعلى الرغم من أنّ الاتفاق غير ملزم، لكنّه يهدف لوضع معايير وأسس لكيفية تعامل الدول مع الهجرة الدولية. وناشدت منظمات حقوقية أميركية معنية بالهجرة إدارة بايدن الانضمام إلى الاتفاق.
أرقام البطالة أكبر من المعلن عنه
يشير خبراء إلى أنّ الرقم الرسمي حول 12 مليون أميركي عاطل من العمل، مضلّل، لأنّ وزارة العمل لا تحتسب جميع العاطلين من العمل، بل هؤلاء الذين سجلوا للحصول على عمل. وهو ما يعني أنّها لا تشمل من اضطروا للتوقف عن العمل لرعاية أطفالهم بسبب إغلاق المدارس بعد انتشار كورونا، أو لأسباب صحية، أو من قلّصت ساعات عملهم، واقتطع من رواتبهم.