يقال إنّ الخروج إلى الطبيعة وإمضاء وقت فيها هو غذاء للروح والجسد، فهو يخفف من أعباء الحياة خصوصاً لدى أولئك الذي يعانون من أزمات عدة في حياتهم. في أحضان الطبيعة يجد الإنسان السكون والراحة ويخرج من زحمة العمران، ويزيل عن نفسه جزءاً كبيراً من الطاقة السلبية التي يكتسبها. ففي محافظة إدلب السورية، يقصد الأهالي والنازحون، بعض المناطق للتنزه، ويسرقون من الوقت ساعات للراحة والطمأنينة لينعموا بقليل من الهدوء بعد المعاناة الكبيرة التي يعايشونها يومياً. من هذه المناطق نبع عين الزرقاء (عين الزرقة)، بالقرب من بلدة دركوش في الريف الشمالي لمحافظة إدلب، بالقرب من الحدود التركية، إذ تمتاز المنطقة بغطائها الأخضر ومياهها الوفيرة، وهو ما جعلها مقصداً للأسر بمختلف أفرادها، وكذلك للشبان الذين يأتون وحدهم لصيد الأسماك.
عمار خضر (33 عاماً) يشكّل صيد الأسماك بالنسبة له هواية ومتعة ومهرباً من ضغوط الحياة، ووسيلة للترويح عن النفس لا بدّ منها بين وقت وآخر. عن هذا يقول لـ"العربي الجديد": "أجمل ما في رحلة الصيد هو اجتماع الأصدقاء، إذ نقصد البلدة عند بزوغ الفجر، ونختار موقعاً ملائماً للصيد فيها، كون نهر العاصي (طوله 571 كيلومتراً، ينبع في لبنان ويصبّ في تركيا، ويقع معظم مساره الطويل في الأراضي السورية) يمرّ منها، فنجلس على ضفة النهر نتبادل الحديث، وترتفع الأصوات عند اصطياد أحدنا سمكة". وعند شروق الشمس يحين موعد الشاي في الرحلة كما يوضح خضر، ففي هذه الفترة يكون للطبيعة رونق خاص وللنسيم البارد تأثيره الجميل كما يشير. ويختم: "كنا، في السابق، نهمل هذه الجزئيات من حياتنا على مدار أعوام طويلة، فالحياة مشحونة على الدوام بالخوف من القصف والحديث عن الموت، لكن، الآن، باتت لدينا فسحة نحاول استغلالها إلى حدّ ما، كما نحاول أن نعيد شيئاً من الحياة المفقودة".
وبالنسبة للنازحين ممن يقيمون في المخيمات بريف إدلب الشمالي، لدى البعض منهم أيضاً تجربة مع الخروج لما هو أبعد من حدود المخيمات، إذ يؤكد المهجر من ريف حمص الشمالي، بلال المحمد (28 عاماً) وهو أب لطفلين، أنّه يستغل فترات انقطاع العمل لديه للذهاب إلى بحيرة ميدانكي (بحيرة صناعية صغيرة تابعة لسدّ 17 نيسان) في منطقة عفرين. يذهب المحمد برفقة طفليه وزوجته، ويمضون وقتاً ممتعاً عند قريب لهم في بلدة ميدانكي. يقول المحمد لـ"العربي الجديد": "من حقنا أن ننال شيئاً من الهدوء، والترويح عن النفس. خلال هذا الصيف قصدت البحيرة ثلاث مرات، وأمضيت مع عائلتي فيها أوقاتاً جميلة. المياه باردة، وكنا نضع فيها البطيخ، ونعد الغداء في الطبيعة. كلّ هذه التفاصيل افتقدناها لسنوات خلال فترة حصارنا بريف حمص الشمالي، إذ كنا نقيم في بلدة تلدو، وكان سدّها مقصداً لنا، لكن منذ بدء الثورة حرمنا النظام من السدّ ومن مياهه ومن الغابة الملاصقة له، لذلك أجد متنفساً في بحيرة ميدانكي، وإن كانت المسافة إليها من المخيم طويلة".
يقال إنّ الطبيعة دواء للأمراض النفسية، ولخضرتها وهوائها النقي تأثير حتى على الصحة الجسدية، خاصة ساعات الصباح الأولى. وهذا ما لمسه فراس الريّس المقيم في مدينة إدلب، إذ يسير يومياً قبل شروق الشمس على طريق الكورنيش في المدينة، وقد اعتاد على الأمر منذ فترة. بمحاذاة الطريق تنتشر أشجار العنب والزيتون وكثير من الأشجار المثمرة الأخرى في البساتين. يقول الريّس "عند الساعة السادسة صباحاً يكون النسيم بارداً بلطف، والجري المتقطع لا يرهق الجسد، ومنظر الخضرة وصوت اليمام والعصافير يضفي رونقاً للصباح، الأمر يشعرني بالراحة ويجعلني أتشجع على مواصلة الخروج كلّ صباح، كوني أعاني من الشحوم حول الكبد ومن القولون العصبي، وبدأت هذه المعاناة تزول تدريجياً مع نزهتي الصباحية".
تضاؤل أماكن التنزه
محافظة إدلب التي يسكنها نحو ثلاثة ملايين سوري حالياً، ما بين أبناء المحافظة والنازحين إليها، كانت تضمّ كثيراً من مناطق التنزه. لكن، مع سيطرة النظام السوري على أجزاء واسعة من إدلب خلال الحملة العسكرية الأخيرة، باتت تلك المناطق محدودة وأبرزها نبع عين الزرقاء في دركوش، الذي لطالما كان مقصداً سياحياً مميزاً.